
في قلب القاهرة، حيث تختلط ملامح الحاضر المزدحم العشوائي بعبق الماضي المنظم، تقف حديقة الأزبكية كواحدة من أبرز الشواهد على تاريخ القاهرة وتحولاتها الاجتماعية والثقافية، فهذه الحديقة التي شُيّدت في القرن التاسع عشر لم تكن مجرد متنزه، بل تحولت إلى مركز للحياة الفنية والاحتفالية في مصر، وظلت لعقود طويلة رمزًا من رموز الحداثة والتنوير.
من بركة الأزبكية إلى مشروع تحديث القاهرة
خلال السطور التالية يرصد لكم موقع سوشيال برس أبرز المعلومات عن حديقة الأزبكية حيث تعود أصول المكان إلى القرن الخامس عشر، حيث كانت المنطقة مجرد بركة كبيرة تُعرف بـ “بركة الأزبكية”، نسبة إلى الأمير المملوكي عز الدين الأزبكي الذي عاش في تلك المنطقة، لكن مع منتصف القرن التاسع عشر، تغيّر المشهد تمامًا، بعدما قرر الخديوي إسماعيل أن يجعل القاهرة عاصمة تضاهي العواصم الأوروبية.
وفي عام 1864م تم ردم البركة، وبعد ثماني سنوات، وتحديدًا في 1872م، افتُتحت حديقة الأزبكية بعد أن صمّمها المهندس الفرنسي باريل ديشان بك على الطراز الأوروبي.
معلومات عن حديقة الأزبكية
امتدت الحديقة على مساحة 18 فدانًا، وأُحيطت بسور من الحديد والبناء، وفتحت لها أربعة أبواب من الجهات المختلفة، وزُرعت بأشجار نادرة ونباتات جُلبت من أنحاء العالم.
كانت الحديقة بمثابة لوحة طبيعية تجمع بين الجمال والتخطيط الهندسي الحديث، لتصبح من أبرز معالم القاهرة الجديدة.
حديقة الأزبكية مركز ثقافي مصري متنوع
لم يكن اهتمام الخديوي إسماعيل مقتصرًا على الزراعة والتشجير، بل أراد أن يجعل من الأزبكية مركزًا للثقافة والفنون.
وفي طرفها الجنوبي، أقام مسرحين مهمين: الأول هو المسرح الكوميدي الفرنسي، الذي افتُتح في يناير 1868م بإدارة الخواجة منسي، أما الثاني فكان الصرح الأشهر، دار الأوبرا الخديوية، التي لعبت دورًا محوريًا في تاريخ المسرح والموسيقى المصرية.
إلى جانب ذلك، تم تعيين الفرنسي مسيو باريليه ناظرًا للحديقة والمسؤول عن إدارتها، إلى جانب الإشراف على باقي المتنزهات في القاهرة.
ومع مرور السنوات، تحولت الحديقة إلى فضاء نابض بالحياة، حيث استضافت احتفالات رسمية وشعبية كبرى، شاركت فيها الجاليات الأجنبية، وكان المصريون جزءًا أصيلًا منها.
حديقة الأزبكية شاهدة على التاريخ
في يونيو 1887م، احتفلت الجالية الإنجليزية في الحديقة بعيد ميلاد الملكة فيكتوريا، بينما أقامت الجالية الفرنسية احتفالًا سنويًا بعيدها الوطني في 14 يوليو، أما مصر، فقد وجدت في الأزبكية مساحة لإحياء المناسبات الوطنية والاجتماعية، مثل عيد الجلوس السلطاني واحتفالات الجمعيات الخيرية والمحافل الماسونية.
خلال هذه المناسبات، كانت الموسيقى العسكرية تعزف مقطوعات رسمية، فيما نُصبت السرادقات لاستقبال الحاضرين، وأقيمت حفلات غنائية شارك فيها كبار المطربين آنذاك، ومن أبرز هؤلاء الفنانين الشيخ يوسف المنيلاوي وعبده الحامولي ومحمد عثمان، الذين أضفوا على الحديقة بُعدًا فنيًا فريدًا جعلها مسرحًا للنهضة الموسيقية.
قلب نابض وسط العاصمة
لم تقتصر أهمية الأزبكية على الحديقة وحدها، بل شملت المنطقة المحيطة بها التي ازدهرت بشكل لافت، فقد شُيّد بالقرب منها عدد من الفنادق الفاخرة مثل شبرد والكونتيننتال ووندسور وإيدن بالاس، ما جعل الأزبكية مركزًا للزوار الأجانب والرحالة.
كما تم إنشاء مستشفى أهلي في الميدان لخدمة سكان المنطقة، وتحول قصر العتبة الخضراء في عهد وزارة نوبار باشا إلى مقر للمحكمة المختلطة، قبل أن يصبح لاحقًا دار القضاء العالي المعروف حاليًا. بذلك، غدت الأزبكية نقطة التقاء بين الثقافة، والقضاء، والصحة، والفن، ما جعلها أحد أهم ميادين القاهرة الحديثة.
صدمة حريق القاهرة 1952
مسار الأزبكية لم يبق على حاله، إذ جاءت أحداث حريق القاهرة في 26 يناير 1952م لتغيّر ملامح المنطقة بشكل كبير، فقد دمّر الحريق فندق شبرد الشهير تدميرًا كاملًا، وأُجبرت شركات الطيران على نقل مكاتبها من الأزبكية إلى ميدان التحرير.
ومع إعادة تقسيم الميدان بعد الحريق، تقلّصت مساحة الحديقة الهائلة، وشُيّدت في أجزاء منها مبانٍ حكومية مثل البنك المركزي الجديد، ومحطة بنزين، وجراج الجمهورية، ومبانٍ تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والتأمين الصحي، كما بُني على جزء آخر سنترال الأوبرا، واخترقها شارع 26 يوليو ليقسمها إلى نصفين.
حديقة تبحث عن إنقاذ
اوليوم ما زالت حديقة الأزبكية تُعد واحدة من أقدم الحدائق العامة في القاهرة، وشاهدًا حيًا على ذاكرة المدينة، لكنها فقدت كثيرًا من رونقها بسبب الإهمال والتعديات العمرانية، الأمر الذي أثار دعوات عديدة لإعادة تطويرها.
يرى خبراء التخطيط العمراني أن إحياء الأزبكية ليس مجرد إعادة زرع أشجار أو ترميم مساحات خضراء، بل هو إحياء لذاكرة القاهرة وإعادة الاعتبار لمكان ارتبط بالفنون والثقافة الحداثة، فالحديقة يمكن أن تتحول مجددًا إلى متنفس طبيعي، ومركز ثقافي وفني يعكس هوية العاصمة، ويعيد إليها بعضًا من سحرها المفقود.
تفاصيل مشروع إحياء حديقة الأزبكية
وتفقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم السبت، مشروع إحياء حديقة الأزبكية ضمن مشروعات إحياء القاهرة التاريخية.
وتشمل أعمال التطوير تجديد البحيرة، ترميم النافورة وتأهيل الأشجار والمباني التاريخية، وذلك لاستعادة رونق الحديقة كمتنفس حضاري لسكان القاهرة.
تشغيل الحديقة سيكون وفق آليات لضمان الكفاءة واستدامة الأعمال، كما يشمل التطوير يشمل السوق الجديدة للكتب بالأزبكية وتحديث الأكشاك، بهدف الحفاظ على الطابع المعماري الموحد للموقع وتحسين الخدمات.