طلقة قلم

محمود حربي يكتب: قمران في السماء

في إحدى ليالي الصيف، ومع انتصاف الشهر العربي، والقمر يطل ببهائه وكبريائه، وفي إحدى شرفات بيت قديم متهالك، كان أب وابنه يتأملان السماء الصافية، ويلتقطان بين الفينة والأخرى بعض حبات الفول السوداني ولبّ العباد.

وفي لحظة صفاء، قال الابن -الذي لم يتجاوز عمره العشرة أعوام- ما أجمل القمرين يا أبي؟!

قمرين؟! أي قمرين يا بني؟

فقال الابن: هذان القمران اللذان يزينان السماء يا أبتي.

وهنا تذكر الأب أن إحدى عيني الصبي معيبة، تجعله أحيانًا يرى الشيء الواحد اثنين.

فقال: يا بني، ضع يدك على إحدى عينيك، وانظر إلى السماء، وقل لي؛ هل ترى قمرين؟

وضع الابن يده على عينه المعيبة، ونظر إلى السماء، وقال: انظر يا أبي، لقد رأيت قمرًا واحدًا لأني أنظر بعين واحدة.

فطلب الأب من ابنه أن يرفع يده عن عينه الأولى، ويضعها على الأخرى..

وبعدها أدرك الصغير أن هناك خللًا في إحدى عينيه، وعلامات الحزن تبدّت على صفحة وجهه..

أدرك الأب ما أصاب ابنه من حزن جراء حقيقة لا سبيل للهرب منها، وقال: يا بني، إن ما تراه عيبًا لهو نعمة جدير بأن تُحسد عليها.. إن قمرًا واحدًا سحر شعراء الأولين والآخرين وأعياهم، ولم تنتهِ كلماتهم من مغازلته، والتغني ببهاء طلعته وجمال حلّته، وأنت يا ولدي قد حباك الله قمرين أمامك تقلّب بصرك بين جمالهما الأخاذ كيفما تشاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى