طلقة قلم

جولستان حميد تكتب: حوار تخيلي مع الدكتور مصطفى محمود

**مطالبون اليوم بالعودة إلى روح الإسلام

**الإنسان مخير فيما يعلم مسير فيما لا يعلم

**ليس هناك أغرب من الموت

*’ اليسار لم يسقط وحده

هو السواح الذي يغوص بفكره في بحر الدنيا ليكشف أسرارها، ويفك طلاسمها، هو العبقري الدكتور مصطفى محمود، الذي تنبأ منذ قرابة الـ30 عامََا بأهمية نقطة المياه، محذرََا بأنها ستكون أغلى من آبار البترول.

في السطور الآتية حوار تخيلته معه، احتوى أسئلة طرحتها عليه مستوحاه من عناوين كتبه، التي تعدت 89 كتابََا ما بين العلمي، والديني، والفلسفي، والاجتماعي  والسياسي، بالإضافة إلى القصص القصيرة، والروايات، والمسرحيات، والتأليف في أدب الرحلات، وكانت الإجابة أيضًا من واقع كتبه، التي كتبها منذ عدة سنوات  وكأنها كانت بالأمس. وإلى نص الحوار..

*في البداية كده يا دكتور هل الإنسان مسير أم مخير؟

الدكتور مصطفى محمود: سؤال شائك محير، هل أنا مخير أم مسير، ويضيف بهدوءه المعروف شعوري يقول في كل لحظة إني حر، وواقعي يكشف لي في كل لحظة ألف لون ولون من ألوان الجبر والقهر.. أين أنا في هذه المشكلة؟ هل أنا الذي اختار حياتى؟.. أم أن حياتي هى التي تختار لي؟.. تعودت دائماً كلما تناولت هذه المشكلة في مقال أن أختار جانب الحرية وكانت خطابات القراء تنهال عليّ في كل مرة في سيل من الاحتجاجات، لذا فكرت أنني حينما أدخل في هذا الموضوع يكون بطريقة جدلية، وأن أجعله في صورة حوار سقراطي، فأبدأ بالأشكال كما يتصورها القراء في خطاباتهم وتساؤلاتهم، ثم اتخذ من تساؤلاتهم مدخلاً إلى الموضوع لأكون أقرب ما يمكن إلى عقل القاريء، وتصوراته.. الخلاصة أريد أن أقول رداً على سؤالك الإنسان مخير فيما يعلم، ومسير فيما لا يعلم.

**لنقتبس السؤال الاشهر على الاطلاق في السينما المصرية..من أنت؟

الدكتور مصطفى محمود: أنا من الخارج لى حدود، ولي سقف ينتهي عنده جسدي ولكني من الداخل بلا سقف وبلا قاع.

**تكلمت عن الحب.. فما هو؟

الدكتور مصطفى محمود: أحبك كلمة “لذيذة” تصيبنا بالدوار، وكل شيء فيها يذوب، ويتفتت حتى اللغة نفسها، والزمن، والقلب، كذلك ونحن ننطقها اللغة تتعطل في لحظة الحب، ويحل محلها سكوت ناطق معبر يتلاشيان فيهما الزمان، والمكان، الحب يكشف لك عن نفسك، وعن ذاتك.

**وما هى الإرادة من وجهة نظرك؟

الدكتور مصطفى محمود: لا توجد كلمة تصفها، أو تشرحها؛ لأنها أكبر من كل الكلمات، ولأنها تحتوي على كل الكلمات وتتجاوزها، فكل وصف يبدو حيالها ناقصََا.. أنها كالشوق لا يوصف، وتنطبق عليها كلمة المتصوف الصالح أبو البركات البغدادي أظهر من كل ظاهر، وأخفى من كل خفي.. إن أحسن طريق لمعرفتها هي أن تباشرها؛ فهي المفتاح السحري الذي تفتح به الكون كله.

في كلمة واحدة صف كلا من
الموت؟

الدكتور مصطفى محمود:

غريب
الحياة
حرارة
الإيمان
صمت

**وماهو لغز الحياة؟

الدكتور مصطفى محمود: الحقيقة أكثر ادهاشََا من السحر، والخيال، والمعجز، بل هي نفسها المعجزة، فشروق الشمس كل يوم ومنذ ملايين ملايين السنين ودورانها في فلك واحد من الشرق إلى الغرب في دقة ونظام أكثر إعجازاً من خروجها من كمي مرة، وخروجها من تحت إبطي مرة أخرى، إن معجزة الكون في انضباطه بقوانين محكمة دقيقة،إن معجزته هي في حلول النظام والترتيب في كتلته المهوشة العمياء من المادة وانتظامها في تواليف وتركيب هندسية جميلة.

**وهل الموت لغز أيضََا؟

الدكتور مصطفى محمود: ليس هناك أغرب من الموت كما ذكرت سابقاً، أنه حادث غريب أن يصبح الشيء لا شيء، فالموت في حقيقته حياة.

*’منذ أكثر من ثلاثين عامََا أعلنت أن نقطة الماء ستكون أغلى من آبار البترول، فهل صدقت نبوءتك الآن؟

الدكتور مصطفى محمود: صمت يعني كل شيء.

بعيدََا عن الأمور الفلسفية، لمتحدث عن رؤيتك عن المشهد السياسي، هل في نظرك سقط اليسار؟

الدكتور مصطفى محمود: لم يسقط اليسار وحده، فقد سقط اليمين منذ حريق القاهرة في الخمسينات، ومازال على حاله منذ السقوط، ولم نسمع من المتحدثين باسمه في مصر حديثََا جديدََا يتضمن حلولََا لمشاكلنا.

**قلت” الإسلام في خندق” فلما؟

الدكتور مصطفى محمود: للأسف الشديد التدين اليوم خرج من روح التدين؛ بسبب إنحراف الدعوة، وإنحراف أكثر الدعاة  وإغراقهم في القشور، والتفاصيل، والخلافيات، مما ألقى بأكثر المسلمين إلى الاختلاف، والجدل كما نرى الآن، وخلق الذرائع لمحترفي الإرهاب، ولهواة التعصب وأوجد التدين السطحي الأبله، وأرى أننا مطالبون اليوم أكثر من أي يوم مضى بالعودة إلى روح الإسلام  وإلى نبعه الشامل، وسعة الصدر مع الخصوم، وتدبر معاني النصوص، وعدم الوقوف عند حروفها، وقراءة القرآن بالقلب وليس بالأحداق، والإسلام ليس ألغازََا، وليس لوغاريتمات، ولا يحتاج منا إلى كل تلك الفتاوى، والنبي عليه أفضل الصلاة والسلام أجاب من سأله عن الإسلام فقال في كلمات قليلة بليغة: “قل لاإله الإ الله ثم استقم”.

*’هل لذلك الأسباب رفضت الماركسية؟

الدكتور مصطفى محمود: حينما بدأت أكتب في الخمسينات كانت الماركسية هى موضة الشباب الثائر في ذلك الوقت، وكنا نقرأ منشوراتهم في نهم فتحرك مثالياتنا بما تعد به من فردوس أرضى  وعدالة، ورخاء، وغذاء، وكساء للعامل، والفلاح، ومحاربة للاقطاع، والاستغلال، وتحرير للجماهير الكادحة، وكانت موسكو تبدو لنا في ذلك الحين الكعبة الأم لهذا الدين الجديد الذي يشع بالخير، والرفاهية لكل من يدور في فلكه، وكانت أول صحوة لنا من ذلك الحلم حينما سافرنا إلى الخارج، ورأينا الخراب، والبؤس والوجوه الكئيبة المتجهمة في المجر، ورومانيا، وألمانيا، وكافة البلاد الشرقية التى تجري في هذا الفلك، وبحثنا عن الرخاء، والرفاهية، والحرية، والفردوس الأرضي فلم نجد له أثرََا، وكانت الصدمة الثانية الأعظم حينما فتح خرشوف ملف ستالين، وأعلن على رؤوس الأشهاد المظالم التى ارتكبها ستالين، والملايين من العمال، والفلاحين والمثقفين الذين قتلهم في السجون، والمعتقلات، وأعدمهم بالرشاشات، وألقاهم للموت في جليد سيبيريا، وأسلمهم لآلات التعذيب بين يدي الجلاد الرهيب بريََا، ويومها قالوا لنا إنه التطبيق.. الذنب في التطبيق السيء ولكن النظرية بريئة مبرأة من هذا كله، والحقيقة أنه احتاج الأمر مني إلى سنوات من القراءة والدراسة، والعكوف على المجلدات الأصلية للمذهب لكي أكتشف أن الفساد ليس في التطبيق، ولكن الفساد في المذهب نفسه، وأن تلك الأفكار الثورية لم تكن أكثر من تحشيد، وتحريض، ودفع لكتل الجماهير نحو ثأر تاريخى يخرج العالم من ظلم ليلقي به في ظلم أفدح وأشمل، وأعم.

**هل رأيت الله؟

صمت تام  من الدكتور مصطفى محمود، ثم نظر  إلى أعلى في هدوء مع لمعة بالعين.

**وأين وجدته؟

الدكتور مصطفى محمود: في القلب.

*’أخيرََا  ماذا تحب أن تقول للقراء؟

الدكتور مصطفى محمود: إن دقات ساعة الحائط تقدم لك زمناً مزيفاً.. فلتبحث عن زمنك الحقيقي في دقات قلبك، ونبض إحساسك.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى