طلقة قلم

مختار محمود يكتب: موت الإله!

 

مات إلهٌ هنديٌ مؤخرًا مُخلفًا وراءه حالة ممزوجة من الغضب والجدل. الهند دولة معرفة بتعدد الآلهة وتنوعها، بعضُها مُذكر، وبعضُها مُؤنث، وبعضُها دون ذلك!

البلد الواقع في جنوب قارة أسيا هو الثاني عالميًا في عدد السكان، ومُتقدم اقتصاديًا، ومُعدل البطالة فيه محدود جدًا. الفوضى الدينية في الهند لم تحُلْ دون تطورها وتقدمها وعدم تخلفها مثل دول عديدة تجد في الزيادة السكانية مبررًا لقهر شعوبها وإذلالهم وتجويعهم وتشريدهم!

الإله الهندي الذي يُدعى: “ساثيا ساي بابا”، يتبعه أكثر من 50 مليون شخص على الأقل، بحسب تقارير صحفية، منهم مشاهير مثل: نجمة هوليوود “جولدي هون”، ودوقة يورك “سارة فيرجسون”، ونجم الروك آند رول “آيزاك تيجريت”، كما كان الرئيس ورئيس الوزراء الهنديان يحرصان على حضور الاحتفالات بأعياد ميلاده؛ تقديرًا وتوقيرًا!

“ساثيا ساي بابا” أسبغ على نفسه صفة “الألوهية” منذ أن ادَّعى أنَّ بوسعه الإتيان بالأشياء في يده من عدم، وهو ما ثبت لاحقًا كذبه وزيفه، حيث تبين أنَّ الأمر لم يكن أكثر من “خِفة يد”، على غرار الحُواة والسَّحَرة.

صُحُفٌ بريطانيةٌ نسبتْ إلى “الإله الميت” تورطه في فضائح جنسية؛ حيث كان يعتدي جنسيًا وبانتظام على حواريه من صغار السن في معبده ببلدة “بوتابارثي” في ولاية “اندرا براديش”.

“الإله الميت” بنى لنفسه إمبراطورية تجارية واسعة، حقق من ورائها ثروة كبيرة قدرتها تقارير صحفية بنحو 9 مليارات دولار على الأقل.

“الإله الميت” الذي عُرف بعباءاته البرتقالية الفاقعة وقامته القصيرة نسبيًا وشعره المُصفَّف بعناية شديدة، لم يتخلَّ حتى وفاته عن ادَّعاء الألوهية، بل كان يزعم أيضًا أنه هو الذي أرسل “عيسى” عليه السلام إلى الأرض، وأنَّ “المسيح” نفسه تنبأ بنزوله إلى الأرض، فضلاً عن تخاريفَ لا حصر لها!

ورغم أنَّ “الإله الميت” أعلن لأتباعه أنه لن يموت قبل أن يبلغ عامه التاسع والتسعين، وأنه سوف يعود إلى الحياة بعد وفاته بثماني سنوات، إلا إن الموت غيبَّه عن الحياة إلى الأبد عن عُمر ناهز 81 عامًا بعد صراع عنيف مع المرض، وهو الأمر الذي لم يتوقف أتباعه عنده كثيرًا!

وبحسب التقارير الصحفية التي أعقبت وفاته، فإنَّ “الإله الميت” نجح في اجتذاب عدد هائل من الأتباع الى معبده في “بوتابارثي”، وكانوا يعتبرون أنفسهم محظوظين لرؤيته، أمَّا الأكثر منهم حظًا فكانوا هم مَن يظفرون منه برماد يبعثرُه على رؤوسهم، أو مَن يغدق عليهم بساعاتٍ وتماثيلَ ذهبية.

على الشاطيء الآخر من النهر..فإن “الإله الميت” واجه انتقاداتٍ عنيفة في حياته، من بينها: توظيف الدين وسط ضعاف العقول لاستغلال أتباعه الذكور حديثي السن جنسيًا في غرفه الخاصة بمعبده، وبلغ من جديّة هذه الاتهامات أنَّ السلطات الأمريكية نصحت رعاياها بالابتعاد عن معبده، كما إن منظمة “اليونيسكو” أعلنت أنها لن تشارك في مؤتمر دولي عقده بالمعبد؛ على خلفية هذه الاتهامات المشينة!

لقد مات “الإله الهندي”، مع معاناة مريرة مع مرض “الالتهاب الرئوي”، وقبل الموعد الذي حدده لنفسه بـ 15 عامًا، ولن يعود إلى الحياة بـعد 8 أعوام كما كان يزعم.. سُنَّة الله في أرضه، ولن تجد لسُنَّة الله تبديلاً، ولن تجد لسُنَّته تعالى تحويلاً.

مات “الإله الهندي” ليس على الطريقة التي أمات الفيلسوف الألماني “نيتشه” بها الإله في كتابه: “هكذا تكلم زرادشت”، ولكن مات بالطريقة الي يموت بها البشرُ، عوامُّهم وخواصُّهم؛ بعدما حصل على تذكرة بلا عودة إلى عالم آخر غير الذي كان يعيشه في حياة مخملية استثنائية!

اللافت في الأمر..أنَّ موت “الإله الهندي” لم يُثر سُخرية الساخرين من الإسلام، ولا تنمُّر المُتنمرين من شرائعه، ولا استهزاء المستهزئين من تراثه، ولا تحرُّش المتحرشين من علمائه المتقدمين والمتأخرين، ولا اشتباك المشتبكين مع أوامره ونواهيه، ومرَّ الأمر مرور الكرام وهو ما لا يحدث عندما يخطيء مُفتٍ في فتوى أو يتجاوز فقيه في اجتهاد أو ينحرف خطيب في رأي.. الأزمة كلها صارت تنحصر في الإسلام: شرائعَ وشعائرَ ومنهاجًا.

لا ضيرَ أن تعود عبادة الأصنام من جديد، ولا أن يتخذ كل إنسان إلهه هواه، ولا ضير أن يسجد الإنسان للأبقار، ولا ضير أن يتخذ إنسانٌ إنسانًا مثله إلهًا على طريقة إله الهند الميت، ولكنَّ الضررَ، كلَّ الضرر هو أن يكون للإسلام حضورٌ وتأثيرٌ ووجودٌ..وتلك هي القضية التي لا ينكرها سوى جاحد أو جاهل أو مغرض أو منافق أو مناور أو كاذب أو مُدلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى