طلقة قلم

حسام السويفي يكتب: استمارة 6.. جريمة الفصل التعسفي للصحفيين بين القانون والمأمول (دراسة)

قانون تنظيم نقابة الصحفيين تضمن 122 مادة نصت مادتين منه فقط على إنهاء علاقة العمل بين الصحفي ومؤسسته دون عقوبات واضحة ضد مرتكبي جريمة الفصل التعسفي

قانون تنظيم الصحافة والإعلام تضمن 110 ما دة نصت مادة واحده منه على إخطار النقابة بمبررات الفصل قبل 30 يوما من الفصل

قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 تضمن 257 مادة حددت مواد منه تسعة أسباب للفصل واعتبرت غير ذلك تعسفيا

حل الإشكالية بإجراء تعديلات تشريعية بعدم الاعتداد بالفصل إلا عبر حكم فضائي وإنشاء محاكم عمالية متخصصة

 

عقب دراسة استغرقت نحو أسبوع، بحثت خلالها عبر ثلاثة قوانين مختلفة منظمة لعلاقة بين الصحفي ومؤسسته، توصلت إلى أن هناك قصورا تشريعيا واضحا لم يتضمن سوى النص على الحقوق المادية فقط للصحفيين المفصولين تعسفيا، حيث نصت القوانين على منحه شهرين عن كل سنة عمل، فضلا عن منح رصيد الإجازات، ورد أوراق ومسوغات التعيين، دون النص على عودة الصحفيين لعملهم مرة أخرى، ولم تتطرق تلك القوانين لما يحدث في بعض المؤسسات الصحفية، التي تجبر الصحفيين التوقيع على استمارة 6 وقت تعيينهم؛ لفصلهم وقتما تحدد الإدارة الاستغناء عنهم.

لم ينظم المشرع في علاقة العمل بين الصحفي ومؤسسته أية ضمانات تضمن الحق المعنوي للصحفي، بدءا من عودته للعمل مرة أخرى، ومرورا بفتح ملفه التأميني عقب غلقه على إثر الفصل التعسفي؛ لضمان معاش مستقبلا لأسرته حال معاشه، أو وفاته، وتعامل المشرع مع تلك الجريمة باعتبارها تستوجب تعويضا ماديا فقط، رغم أنه لا يكفي سوى بضعة أشهر، غير مكترث بالجريمة الكبرى التي تلاحق الصحفي المفصول تعسفيا، المتمثلة في خروجه مبكرا على المعاش وهو في كامل حيويته المهنية، وإبداعه الصحفي، فصلا عن كارثة جلوسه وسط أسرته وأبنائه بلا عمل لفترات زمنية طويلة.

وإذا فندنا القوانين الثلاثة إجمالا، وطرح قصورها التشريعي على نحو تفصيلي في الفقرات المذكورة آنفا، سنجد أن القوانين الثلاثة هم:

أولا- القانون رقم 76 لسنة 1970 الخاص بتنظيم نقابة الصحفيين: حيث تضمن القانون 122 مادة، تحدثت مادتين فقط عن إنهاء علاقة العمل دون تحديد أية عقوبات عن جريمة الفصل التعسفي.

حيث نصت المادة (111) من القانون رقم 76 لسنة 1970 الخاص بتنظيم نقابة الصحفيين على أنه: «مع عدم الإخلال بما تقضي به المادة 108 إذا فصلت المؤسسة الصحفية أو مالك الصحيفة الصحفي قبل انتهاء مدة العقد لزمه أجره عن باقي المدة التي لا يجد فيها عملاً، فإذا فصله دون إتباع ما تنص عليه المادة السابقة لزمه أجره عن باقي مدة العقد».

كما نصت المادة (108) من نفس القانون على أنه: «إذا رغب أحد الطرفين في فسخ العقد وجب عليه أن يعلن الطرف الآخر كتابة قبل الموعد المحدد لنهاية العقد بشهرين على الأقل إن كانت المدة سنة فأكثر، أو كان العقد غير محدد المدة، وشهر على الأقل إذا كانت المدة أقل من سنة».

ثانيا- القانون رقم 180 لسنة 2018 الخاص بتنظيم الصحافة والإعلام: تضمن 110 مادة، ونصت مادة وحيدة يتيمة عن الفصل التعسفي دون تحديد حقوق الصحفيين أو العقوبات المقررة ضد مرتكبي جرائم الفصل التعسفي.

حيث نصت المادة (16) من القانون رقم 180 لسنة 2018 على أنه: «لا يجوز فصل الصحفى أو الإعلامى من عمله إلا بعد التحقيق معه وإخطار النقابة المعنية بمبررات الفصل وانقضاء ثلاثين يومًا من تاريخ هذا الإخطار، تقوم خلالها النقابة بالتوفيق بينه وبين جهة عمله، فإذا إستنفذت النقابة مرحلة التوفيق دون نجاح، تطبق الأحكام الواردة فى قانون العمل بشأن فصل العامل، ولا يجوز وقف راتبه أو ملحقاته خلال مدة التوفيق».

ثالثا- القانون رقم 12 لسنة 2003 الخاص بقانون العمل: تضمن 257 مادة، تحدثت مادة منه عن أسباب الفصل وحددتهم على سبيل الحصر في تسعة أسباب، واعتبر دون ذلك فصلا تعسفيا.

حيث نصت المادة 69 من القانون رقم 12 لسنة 2003 الخاص بقانون العمل على أنه: «لا يجوز فصل العامل إلا إذا ارتكب خطأ جسيما، ويعتبر من قبيل الخطأ الجسيم الحالات الآتية:

1- إذا ثبت انتحال العامل لشخصية غير صحيحة أو قدم مستندات مزورة.

2- إذا ثبت ارتكاب العامل لخطأ نشأت عنه أضرار جسيمة لصاحب العمل، بشرط أن يبلغ صاحب العمل الجهات المختصة بالحادث خلال أربع وعشرين ساعة من وقت علمه بوقوعه.

3- إذا تكرر من العامل عدم مراعاة التعليمات اللازم إتباعها لسلامة العمال والمنشأة – بشرط أن تكون هذه التعليمات مكتوبة ومعلنة في مكان ظاهر – رغم التنبيه عليه كتابة بمراعاة ذلك.

4- إذا تغيّب العامل بدون مبرر مشروع أكثر من عشرين يوما متقطعة خلال السنة الواحدة أو أكثر من عشرة أيام متتالية، على أن يسبق الفصل إنذار كتابي بخطاب موصى عليه بعلم الوصول من صاحب العمل للعامل بعد غيابه عشرة أيام في الحالة الأولى، وبعد غيابه خمسة أيام في الحالة الثانية.

5- إذا ثبت أن العامل أفشى أسرار المنشأة التي يعمل بها وأن هذا أدى إلى إحداث أضرار جسيمة بالمنشأة.

6- إذا قام العامل بمنافسة صاحب العمل في ذات نشاطه.

7- إذا وجد العامل أثناء ساعات العمل في حالة سكر بيّن أو متأثرا بما تعاطاه من مادة مخدرة.

8- إذا ثبت اعتداء العامل على صاحب العمل أو المدير العام، وكذلك إذا وقع منه اعتداء جسيم على أحد رؤسائه أثناء العمل أو بسببه.

9- إذا لم يراع العامل الضوابط الواردة في المواد من (192) إلى (194) من الكتاب الرابع من قانون العمل “المتعلقة بمخالفة قواعد الإضراب عن العمل”، وفي غير تلك الحالات التسع المذكورة أعلاه، لا يجوز لصاحب العمل أن يقوم بفصل العامل على الإطلاق، وإلا يعتبر ذلك الفصل فصلاً تعسفيا».

فيما نصت الفقرة الثانية من المادة 71 من نفس القانون على أنه: «على اللجنة ان تفصل في طلب العامل خلال خمسة عشر يوما من تاريخ اول جلسة ويكون قرارها نهائيا ، فإذا رفضت الطلب الزمت صاحب العمل بإعادة العامل إلي عمله ، وان يؤدي إليه ما لم يصرف له من مستحقات، فإذا لم يقم صاحب العمل بتنفيذ قرار اللجنة بإعادة العامل إلي عمله اعتبر ذلك فصلا تعسفيا يستوجب التعويض طبقا للمادة (122) من هذا القانون».

لم تتضمن المواد سالفة الذكر أية عقوبات محددة في مواجهة مرتكبي الفصل التعسفي، بل إنها تحدثت فقط عن إحراءات شكلية قبل الفصل خاصة في قانون تنظيم نقابة الصحفيين، وقانون تنظيم الصحافة والإعلام، ولم يحددا ثمة آلية واحدة تضمن للصحفي المفصول تعسفيا الحصول على حقوقه المهنية قبل المادية، وتنص على حقه الإنساني في العمل قبل حقه في تعويض مادي سيصرف نصف قيمته على المحامين، والمحاكم لإثبات جريمة الفصل التعسفي، وبالتمادي فلم يتطرق قانون العمل سوى على مواد تجيز الفصل وتعتبره قانونيا في حالات تسع، بينما ترك الصحفي يواجه مصيره بالحصول على شهرين فقط عن كل سنة عمل، دون النص على أي ضمانات أخرى، ولم تستطع المادة 71 من ذات القانون إجبار إدارت الموسسات الصحفية على عودة الصحفي للعمل مرة أخرى، بل إن المادة نصت فقط على مطالبة اللجنة بعودة العامل واللجوء للقضاء حال رفض صاحب العمل.

حاولت مجالس نقابة الصحفيين السابقة وبالأحرى عام 2015، حل تلك الإشكالية عبر مخاطبة المؤسسسات الصحفية بعدم فصل الصحفيين، أو غلق ملفاتهم التأمينية إلا بعد إخطار النقابة؛ لتخاطب النقابة بدروها هيئة التأمينات حال كان الفصل ضمن الأسباب التسعة الواردة في المادة 69 من قانون تنظيم العمل الموحد، إلا أن أحدا من تلك الموسسات الصحفية لم تلتزم بالقرار النقابي؛ لتستمر تلك المؤسسات في ارتكاب جريمة الفصل التعسفي عمدا، ومع سبق الإصرار دون خوف من تحقيق نقابي، أو ردع قانوني.

لا ينكر عادل، أن القوانين المذكورة سالفا لم تراع حقوق الصحفيين المفصولين تعسفيا في حدها الأدنى، كما لن يرفض منصف ضرورة النص على تشريعات قانونية تهدف إلى القضاء على تلك الظاهرة، ولذلك فإن الحل لتلك الإشكالية هو إنشاء محكمة عمالية متخصصة للفصل فى القضايا العمالية خلال 60 يومًا، وإجراء تعديلات تشريعية تنص على عدم الفصل المباشر من العمل دون حكم قضائي، وعدم الاعتداد باستمارة 6، مع توقيع عقوبات رادعة في مواجهة رؤساء التحرير المرتكبين لجريمة الفصل التعسفي بدءا بالإنذار، ومرورا بالحرمان من العمل لمدة لا تجاوز عام، وانتهاء بالشطب، طبقا للعقوبات التأديبية العامة المقررة في قانون تنظيم نقابة الصحفيين، وذلك بعد التحقيق النقابي مع من ثبت المحكمة فصله للزملاء الصحفيين تعسفيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى