طلقة قلم

مختار محمود يكتب: مشروع قومي لتخليد اسم «القمني»

على مثل سيد القمني..يبكي البواكي من الملاحدة وغُلاة العلمانية، والمرجفين في المدينة، والذين خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا.

يستحق القمني البكاء والندب والصراخ ولطم الخدود وشق الجيوب؛ ففي رحيله خسارة للبشرية بأسرها، وفي فقده ابتلاء للإنسانية بأكملها.

أقيموا على القمني مأتمًا وعويلاً. كان القمني يستحق خلودًا أبديًا، أو يعمِّر كما عمَّر الخضر عليه السلام؛ حتى يبقى نقطة ضوء وسط هذا الظلام الدامس الذي يعصف بنا من كل صوب وحدب. عمل القمني وناضل أيما نضال في سبيل إخراجنا من ظلمات الجهل إلى أنوار التنوير، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!

القمني كان ولا يزال أبًا روحيًا لأجيال متعاقبة من الملحدين واللادينيين. هكذا قال حامد عبد الصمد في بث مباشر من ألمانيا. امسح دموعك أيها الدرعمي النابغة الداهية؛ فإنَّ دموعك- واللات والعزى- علينا غالية. لقد مات القمني، ولكن بقيت كتبه ومؤلفاته مثل: “رب هذا الزمان”، “الأسطورة والتراث”، و”حروب دولة الرسول”؛ لتخلد ذكراه وأفكاره التنويرية التي قلما يجود الزمان بمثلها.

امتلك القمني جرأة استثنائية وشجاعة فولاذية صنعت منه بطلاً من ورق. جهر القمني العفيف الشريف- على حد وصف صديقه الأنتيم وشيخ التنويريين خالد منتصر- بصراحته المعهودة؛ فكشف الحقائق المخفية عن الإسلام والرسول والقرآن الكريم، فأنار قلوبًا غلفًا، وأبصر عيونًا عميًا، وأسمع آذانًا صُمَّا!
الدولة المصرية التي كرمته من قبل ومنحته أرفع جوائزها لن تنساه. يستحق القمني تقديرًا فريدًا، أكثر من مجرد إطلاق اسمه على جسر أو كوبري أو معدية أو تعميم صوره بالمتاجر وعلى السيارات والتكاتك، أو استضافة عزائه في مسجد المشير، أو إطلاق اسمه على أحد مساجد وزير الأوقاف.. لماذا لا يتم تعميم وتبسيط كتب القمني في المدارس بدلاً من مادة التربية الدينية المحرضة على العنف والإرهاب؛ حتى يتم تخريج أجيال جديدة قادرة على التفكير وإعمال العقل..وادعاء البطولة؟ لماذا لا تذاع تسجيلاته وخواطره حول الإلحاد بدلاً من خواطر الإمام الشعراوي في الإذاعة والتليفزيون؛ حتى يتحقق حلمه القديم بإخراج الناس من دين الله أفواجًا؟

حالة الكراهية والشماتة البغيضة المصاحبة للقمني في حياته وبعد وفاته يجب أن تتوقف فورًا، حتى لا يغضب يوسف الحسيني ويتهم المصريين بأنهم قوم يعادون الفكر وأهله، والقمني رمز عظيم للفكر وإعمال العقل، ولكن أكثر الناس لا يفقهون، كما إن الناس جميعهم راحلون، أفإنْ مِتَّ فهم الخالدون؟!

سيد القمني هو نبيُّ آخر الزمان الحقيقي؛ حيث لا نبيَّ قبله ولا رسول، كما قال وكتب من قبل، عندما أنكر بلهجة حاسمة قاطعة حقيقة الأنبياء والرسل جميعًا، وكذا كل الأديان السماوية بلا استثناء. كان القمني ينصحنا بأن نأخذ أخبار الأنبياء والرسل والكتب السماوية من المصادر التاريخية، وليس من الكتب المقدسة، ولكننا-بكل اسى وأسف- لا نحب الناصحين!

السبيل الوحيد لتخليد ذكرى سيد القمني، هو البحث في تلاميذه النوابغ، واستئجار بعضهم من جانب وزارة الثقافة، كما فعلت مع كبيرهم الذي علمهم السحر من قبل، وتمنحهم جميع المزايا المادية والمعنوية؛ حتى يكرروا منجزاته الفكرية وأساطيره العقلانية وآياته الشيطانية التي خطها في كتابه الأشهر: “الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية”، وهو المعادل المصري والعربي للرواية الأشهر “آيات شيطانية” لسلمان رشدي. بمثل القمني ورشدي يجدد الإسلام شبابه ويستعيد حيويته.

من حق أصدقاء وأشياع ومريدي وتلاميذ القمني أن يغضبوا من غضب الغاضبين من أبيهم الروحي وشيخهم الأكبر؛ فالحق مزعج دائمًا لمن دأب على إدمان الباطل، وآل القمني هم وحدهم أهل الحق المستبين، ومَن سواهم على الباطل المبين.

أحباب سيد القمني مدعوون الآن أكثر من أي وقت مضى لأن يتضامنوا ويتعاونوا على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان، من خلال التبرع المادي؛ لإنشاء جامعة أهلية باسمه؛ لتدريس كتبه وتراثه؛ وهذا سوف يكون تقديرًا عظيمًا لاسم الراحل الذي لم يلتحق بجامعة ولم ينل درجتي الماجستير والدكتوراه كما كان يدعي كذبًا ورورًا وبهتانًا عظيمًا.

وختامًا..فيا كلَّ تنويري وتنويرية..عليكم أن تستغلوا هذه اللحظة الفارقة بالنسبة لكم في التخلي عن إصلاحنا- نحن العوام والدهماء- والاكتفاء بإصلاح أنفسكم، فأنتم أولى منا، لا يضركم مَن ضل إذا اهتديتم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى