google.com, pub-6069403238080384, DIRECT, f08c47fec0942fa0
طلقة قلم

مختار محمود يكتب: “ميركل” استثنائية؟ إذن فلتفعلوا مثلها

حرص قادة العالم على تقديم رسائل وكلمات وداعية للمستشارة الألمانية المنتهية ولايتها إنجيلا ميركل بعدما أنهت مهمتها على رأس السلطة في بلادها وسلمت مقاليد الأمور للمستشار الجديد في سهولة ويسر معدومين في المنطقة العربية والإسلامية والإفريقية. وتسابق كثيرون منهم على وصفها بعظيم الخلال وجميل الصفات، وأجمعوا على أنها استثنائية في كل شيء.
إنجيلا ميركل..امرأة غيرت العالم ومضت في هدوء، وأتت بما لم يأتِ به الرجال. أكثر من 30 عامًا من العمل المتواصل والتفاني غير المشروط لخدمة وطنها وشعبها دون ضجيج. التاريخ سوف يتوقف طويلاً عند فترة حُكم “ميركل” التي دامت 16 عامًا؛ باعتبارها حاكمًا ملهمًا دون ادعاءات واهية أو دعاية زاعقة. الحاكم العاقل العادل الرشيد “رزق”، والشعوب على نياتها تُرزَق.
تترك “ميركل” حُكم بلادها وهي في مكانة رفيعة ومتقدمة على جميع المستويات. ألمانيا تحتل المراكز الأولى في جميع التصنيفات والمؤشرات العالمية. في عهد “ميركل“..حافظت ألمانيا على مراتب متقدمة في جميع المقارنات الدولية في السياسة والاقتصاد والتنافسية والرقمنة والتعليم والبحث العلمي والبنية التحتية والطاقة المتجددة وتداول المعلومات وحرية الرأي، كما تحتل ألمانيا المرتبة الاولى عالميًا في القدرة على الابتكار. قادة ألمانيا السابقون وصفوا “ميركل” بأنها “كانت ضربة حظ لبلادهم”؛ عرفانًا وامتنانًا وتقديرًا منهم لها.
وبدورها..اصطحبت “ميركل” خليفتها الجديد أولاف شولتز، المنحدر من أيدلوجية سياسية مختلفة عنها إلى اجتماعات مع رؤساء الدول وأطلعته على بعض التفاصيل المهمة؛ حتى يكون جاهزًا للمهمة الجديدة..يا للهول!! في أوروبا والدول المتقدمة..يأتي حاكم ويمضي دون تجريس وإهانة وشيطنة وملاحقة قضائية قد تصل به إلى حبل الإعدام.
مؤخرًا..تم تداول صورة لطيفة وودودة تجمع عددًا من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية..في بلاد العُرب والمسلمين لا مكان ولا مكانة لرئيس سابق حتى لو كان من الأبطال المغاوير، أو حتى رئيس مُحتمل!! صنعت “ميركل” الاستثناء على مستوى العمل والتفاني والإنجاز، وقدمت نفسها دائما في صورة القائد الذي يسمو على الخلافات الحزبية الضيقة ويعمل فقط من أجل مصلحة وطنه، ولا يتفرغ لتصفية معارضيه وخصومه ومن لا ينطوون تحت لوائه، ومَن لا يسبحون بحمده آناء الليل وأطراف النهار، بل يحتوي الجميع بصدق ومحبة وحُسن ظن. لم تسع “ميركل”- كما يفعل حكام العالم الثالث- إلى اكتناز المال وفتح حسابات بنكية خارج ألمانيا لذويها ومعارفها وأولى القربى. كما لم يتم ضبط “ميركل” متلبسة مرة واحدة باستغلال نفوذها منذ استوزرها وحتى بلوغها سُدة الحُكم.
المرأة الحديدية- كما يصفها الإعلام الغربي- خاضت حياتها السياسية على أساس من الاحترام والشفافية والصدق، وهو ما لا يقدر عليه ولا يحتمله معظم حكام العالم العربي والإسلامي الذين يتصدرون صفوف المصلين وتذرف عيونهم بالدمع عند تلاوة القرآن الكريم. لم تسقط “ميركل” على سُدة الحكم بالبراشوت أو من خلال ظروف غير طبيعية، كما يحدث في أوطان العرب والمسلمين، بل تمتلك رحلة صعود استثنائية بدأتها مع منصب وزير المراة والشباب ثم وزير البيئة في تسعينيات القرن الماضي، قبيل انتخابها أمينًا عامًا للحزب الديمقراطي المسيحي، الذي تولت رئاسته في غضون أربع سنوات فقط. وفي العام 2005 خالفت “ميركل” كل التوقعات ووصلت لحُكم ألمانيا، وتربعت على قائمة أقوى النساء في العالم سنواتٍ متتالياتٍ.
لم تعتمد “ميركل” سياسة: “ون وومان شو”، بل أفسحت المجال واسعًا للقيادات الشابة والناشئة، وهو من الأمور المُحرمة والمؤثمة في أوطاننا. وإجمالاً.. فإن أنجيلا ميركل قدمت نموذجًا استثنائيًا للحُكم في كل شيء، وأصبحت فترة حُكمها مهمة وملهمة لمن يتطلعون إلى الحكم الرشيد. فيا كل حاكم حرص على توديع المستشارة الألمانية السابقة بكلمات التعظيم والثناء والتقدير، اتخذوها قدوة حَسنة لكم، وافعلوا مثلها مع شعوبكم، وارتقوا بأوطانكم كما كانت تفعل، وإن لم تفعلوا فاسحبوا رسائلكم وعودوا إلى ديكتاتورياتكم سالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى