فى الميدان

مختار محمود يكتب: العلاقة المُحرَّمة بين جائزة نوبل والشاعر أدونيس

منذ أكثر من ثلاثين عامًا.. اقترن اسم الشاعر السوري “على أحمد سعيد إسبر” المعروف بـ”أدونيس” بجائزة نوبل للآداب.

وفي كل عام.. يتباكى أشياع الشاعر المثير للجدل على عدم منحه الجائزة الأرفع عالميًا، حيث يجدونها فرصة للطعن فيها وتشويهها والحط من شأنها والحديث عن مؤامرة كونية تستهدف شاعرهم الأكبر!!

“أدونيس” نفسُه يمنح هذه المعركة وقودًا وصخبًا وضجيجًا من خلال ردوده وتعقيباته وتصريحاته على عدم فوزه بالجائزة بعدما كسر عامه التسعين بقليل.

مؤيدو “أدونيس” يرونه أحد أبرز روّاد القصيدة العربية الحديثة ومُنظريها ومفكّريها، ويعتبرونه ظاهرة أدبيّة فريدة قلّ نظيرُها عالميًا، بل يبالغون أحيانًا في الإطراء عندما يرددون دون خجل: “أدونيس لا يحتاج إلى نوبل؛ لنتأكد نحن من أنه أعظم أديب حيّ في العالم الآن، لا يُدانيه أيّ أديب آخر على مستوى المُنجز الأدبي والثقافي والفكري، وعلى مستوى التأثير في جوهر الثقافة العالميّة من أقصى المعمورة إلى أقصاها، وعلى مستوى الفاعلية التي يؤديها حتى الآن في مختلف المؤسسات الأكاديمية والثقافية والفكرية في الجهات كلّها شرقًا وغربًا شمالاً وجنوبًا، فماذا ستضيف جائزة نوبل لأدونيس بعد أن حقّق كل هذا الذي لا نظير له في التاريخ الحديث، لكنّه إذا ما حصل عليها فإنّ تاريخ جائزة نوبل سيفخر بأنّه أحد أهم الحاصلين عليها بجدارة واقتدار”!!

“أدونيس”- من وجهة نظر أصدقائه- ليس أديبًا عربيًا مجرّدًا يكتب الشعر وينشره وينظّر له ما وسعه إلى ذلك سبيلاً، بل هو شخصية ثقافية وفكرية وأدبية متكاملة يتناثر غبارُها الذهبي في أرجاء الكرة الأرضيّة كلّها، بل إنهم يحسبونه أنموذجًا متكاملاً بالغ التأثير عربيًا وغربيًا على نحو شامل ونوعيٍّ في آنٍ، لا يُشبهه في تاريخ الثقافة العربية أيُّ شاعر أو أديب كان له هذا التأثير الفاعل والحيّ على مدى سبعة عقود بلا توقّف ولا كلل ولا ملل، إذ لم يترك شيئًا مُهمًا وأصيلاً وجميلاً لم يفعله بكفاءة عالية وإبداع ناضج وبراعة لا مثيل لها، فما قيمة جائزة نوبل بإزاء كل هذا البهاء والإنتاج والنور الذي يحيط بشخصية ضاجَّة بالعطاء والحياة والأمل والتحضّر والثقافة الحقّة؟!

أشياع “أدونيس” يقولون أيضًا، إنه استطاع بلورة منهج جديد في الشعر العربي يقوم على توظيف اللغة على نحو فيه قدرٌ كبيرٌ من الإبداع والتجريب تسمو على الاستخدامات التقليدية دون أن يخرج أبدًا عن اللغة العربية الفصحى ومقاييسها النحوية، مشددين على أنه فضلاً عن منجزه الشعري، فإن له أعمالاً فكرية مهمة أبرزها: “الثابت والمتحول” و”زمن الشعر”، وأنه عبر تجربته الممتدة استطاع أن ينقل الشعر العربي إلى العالمية، فهو من أبرز المرشحين لنيل جائزة نوبل للآداب كل عام.

الطريف أنهم هم أنفسهم مَن يرشحونه للجائزة!! كما يقولون: إن أدونيس يمثل للثقافة العربية روافد كثيرة بالغة الأهمية، سواء بجهوده التنظيرية أو البحثية، كما إن تجربته تعد فتحًا مهمًا في شروخ ثقافتنا المنهزمة والمجروحة بفعل الكسل والجمود المعرفي!!

هذه الحالة من الإغواء نلمسها أيضًا في حديث مثقف مصري عربي كبير مثل: وزير الثقافة الأسبق المثير للجدل الدكتور جابر عصفور الذي يصف منجز “أدونيس” الأدبي بالمعجزة، حيث قال قبل عام أثناء الاحتفال بتسعينية الشاعر الكبير: “أعتبر تجربة أدونيس أهم تجربة في الشعر العربي.. أدونيس حداثي من البداية، وظل مستمرًا طوال هذه الفترة، مع أن غيره من الشعراء قد تخلوا عن الحداثة.. استمرار عطاء أدونيس يشبه المعجزة”!!

على الشاطيء الآخر من النهر..يقف فريق آخر ضد الظاهرة الأدونيسية –نسبة إلى أدونيس- جُملة وتفصيلاً، ويتعاملون معها باعتبارها خرافة من التخاريف وأسطورة من الأساطير التي تملأ الفضاء العربي الكبير، ليس من خلال كلام مرسل عمومي غير دقيق، ولكن عبر تفنيد دقيق وموثق تضمه الكتب وتحكيه المراجع.

في كتابه: “أدونيس مُنتحلاً” الصادر قبل ثلاثين عامًا بالمغرب، يقتفي مؤلفه “كاظم جهاد” ظاهرة التناص في شعر أدونيس التي تصل إلى مدى يصفها فيها الكاتب بأوصاف من قبيل: الإغارة والسطو والسرقة والانتحال، مع تعزيز مواقفه بشواهد ومقارنات من أشعار القدماء والمحدثين، أبرزهم: الشاعر الفرنسي سان جون بيرس الحاضر صوته في النص الأدونيسي بقوة، بحسب المؤلف.

يتقاطع هذا الرأي مع آراء مجموعة من النقاد الآخرين الذين يرون الشاعر السوري فاقدًا لصوت شعري مميز، ويعتبرون شعره مُفككًا مُغرقًا في الأنا والنرجسية، مُعليًا من تضخم الأنا، مفتقدًا للشعرية، منفصلاً عن تربته وجذوره وثقافته العربية!

فى كتابه: “شرائع إبليس فى شعر أدونيس” الصادر عن مكتبة “مدبولى للنشر“، دعا مؤلفه الدكتور “صالح عضيمة”، الشاعر المثير للجدل “أدونيس” إلى مناظرة مُتلفزة، ووجَّه كلامه إليه قائلاً: “لأبيّن لك أمام الناس، كل الناس، أنك شاعر مُحتال ماكر، وأن أكثر شعرك مسروق ملطوش، وأن كتابك “الثابت والمتحول” هو من صُنع مُعلمك ومرشدك “بولس نويا”، وليس لك فيه ضربة قلم، ولأبيِّنَ لك أشياء أخرى مهولة، تكاد لهولها تُخرج الإنسانَ من نفسه، وليس من جلبابه فقط”.

الكتاب المذكور يقع فى فصول سبعة، أولها: بعنوان “الكلمة الحرة”، وفيه يتهم مؤلفه “أدونيس” بأنه “يلهث وراء الجوائز، وأنه كاذبٌ فى كثير من مواقفه، وأنه يرجم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهمز واللمز بألوان مختلفة من الإشارات والإيماءات بهيِّن القول ورخيص الكلام، لسبب أو لآخر فى المجالس المختلفة”، وهو الأمر الذى يتكسب من ورائه أشباه أدونيس وأقرانه، وهم فى ذلك مخصلون لهذه الرسالة أشد الإخلاص!

وفى الفصل الثانى المعنون بـ”بحث فى الذات والهوية”، يصف المؤلف “أدونيس” بأنه “قرينُ إبليس وسميرُه، ويستنجده حين تأبى عليه القريحة”، مشيرًا إلى أن “أدونيس يقرع الأسماع بأنَّ إبليس هو المعلم الأول للحرية والقائد الأول للتحرر، وهو الثابت الذى لا يتحول والمتحول الذى يهز كل ثابت” إلى أن يصل إلى قوله فى موضع آخر: “أدونيس لا يستطيع إلا أن يكون وليًا لإبليس وظلاً وتابعًا له.. ويعتبره مُخلصًا من العبودية وقائدًا للحرية وسببًا من أسباب الديمقراطية”.

وفى الفصل الثالث المعنون بـ: “سرقة أخرى وحكاية الثابت والمتحول”..يشير فيه “عضيمة” إلى كتاب غير مشهور يفضح ـ كما يقول ـ عن سرقات أدونيس، فيقول: “الشاهد الأكبر على سرقات أدونيس هو كتابه «الثابت والمتحول»، الذى يعتبره سرقة من “بولس نويا”، وينقل لنا “عضيمة” حديثًا له مع “بولس” يعتبره دليلاً ناصعًا على سرقة “أدونيس” للكتاب منه، مُعتبرًا أن المقدمة التى كتبها “بولس” لكتابه لا تختلف فى أسلوبها ولا فى معالجتها للبحث عن أسلوب “أدونيس”!!

وفى الفصل الخامس: “بحث فى الاتهام والإثبات”، يعرض المؤلف لكتاب الباحثة البريطانية “فرانسيس ستونر سوندرز” التى تروى فيه دور المخابرات الأمريكية والبريطانية فى تمويل الأنشطة الثقافية وتحريكها فى أنحاء العالم، وأن مجلة “الشعر” إحدى ثمار هذا التوجه المشبوه، و”أدونيس” أحد جنودها الكبار الذين رافقوها منذ اللحظة الأولى.

أمَّا الفصل الأخير، وبعد أن يثبت تهمة السرقة والانتحال على “أدونيس” من خلال وثيقة “الفيزياء تعلم الشعر”، يقول “عضيمة” بنبرة واثقة: “هذه الوثيقة ليست وحدها التى تؤكد أنه سارقٌ مُتمرِّسٌ فظّ لا يستحى؛ فحياته كلها ـ من أولها إلى آخرها ـ سرقة كئيبة فظَّة، ومن سرق مقالة يسرق كتبًا ويسرق بيوتًا ويسرق جيوبًا وحقائب.. لكم أود أن يعرف كيف يخجل وكيف يستحى وكيف ينطمر”!

وأخيرًا فإن لأدونيس مقولة معروفة تعكس جانبًا واضحًا وكاشفًا في شخصيته، حيث يقول: “لستُ متشائمًا، أنا ثائر على كل شيء، والمتشائم لا يكون ثائرًا، بل يكون منهزمًا، وأنا القائل: يرقُّ لي تمردي فأشتهي تمردًا حتى على التمرد”، فهل ترق “نوبل” وترضى عن الشاعر التسعيني الثائر المتمرد، فيرضى عنها وترضى عنه ويرضى محبوه ورفاقه عنها، ويومئذ سوف تسقط نظرية المؤامرة وتذهب هباءً، أم تبقى الخصومة بينهما سرمدية أبدية، في الوقت الذي لا تمانع فيه الجائزة الأعظم من أن تذهب إلى أدباء مغمورين لا يحيطون أنفسهم بكل هذا الضجيج ولا يثيرون كل هذا الصخب مثل الأديب التنزاني عبد الرزاق جرنة الذي ذهبت إليه جائزة نوبل في الآداب هذا العام طواعية وبنفس راضية؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى