فى الميدان

مختار محمود يكتب: الذوق العام بين المقاول والباشا!!


يتعامل رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي مع مقتضيات منصبه بعقلية “المقاول”، فربما يترقب الرجل اللحظة التي يتحلل فيها من المنصب الرسمي؛ لينطلق إلى “بزنس المقاولات”.

 

“مدبولي” باعتباره أستاذًا للهندسة، فضلاً عن علاقاته التي اكتسبها من منصبيه كوزير للإسكان ثم رئيسًا للوزاء، أصبح مؤهلاً ليكون من أكابر المقاولين في عموم الشرق الأوسط وضواحيه. تركيز “مدبولي” مع عالم المال والأعمال والأحجار، ربما أغناه عن الاضطلاع بمهام أخري جسيمة فرَّط فيها طوعًا أو كرهًا. يجيد “مدبولي” –رغم شخصيته الناعمة- التعامل مع الملفات الخشنة والثقيلة، ولكنه يتجاهل الملفات الناعمة والهادئة ومن بينها: الحفاظ على الذوق العام.

 

الأزمة المثارة مؤخرًا بسبب منع عُصبة من مطربي المهرجانات بقرار من نقيبب المهن الموسيقية هاني شاكر لم تجد تداخلاً أو دعمًا من قريب أو بعيد من حكومة مصطفى مدبولي. تداخُل شخصية رسمية في وزن رئيس الوزراء أو الوزراء المختصين يُضفي على مثل هذه القضايا زخمًا وأهمية، كما إنه ليس بدعة ولا استثناءً. رئيس الحكومة الأسبق مصطفي النحاس –رغم حساسية الفترة التي تولى فيها مقاليد الأمور- إلا إنه كان حاضرًا بقوة وحسم في عدد من المناسبات الفنية المشابهة، مع الاختلاف الكبير طبعًا في التفاصيل. أعرب “النحاس” عن استيائه الشديد من الموسيقار والمطرب الكبير فريد الأطرش عندما قدم أغنية “يا عوازل فلفلوا” ضمن أحداث فيلم: “آخر كدة”، الذي أنتجته السينما المصرية قبل 71 عامًا.

 

ورغم أن كلمات الأغنية بسيطة وطريفة وتندمج مع أحداث الفيلم، إلا إن النحاس باشا وبَّخ “الأطرش” توبيخًا عنيفًا تداولته الصحف آنذاك ولا تزال تحتفظ به ضمن أرشيفها. “النحاس” الذي لم يكن قادمًا من جماعة دينية متشددة، ولكنه كان زعيمًا وفديًا تاريخيًا، أبلغ “الأطرش” في أول لقاء جمعهما، باستيائه الشديد من بعض ألفاظ الأغنية مثل: “فلفلوا” و “اتغاظوا”، باعتبارها تتصادم مع الذوق العام، واستنكر أن يرددها رجل!! النحاس باشا كان حاضرًا أيضًا في مناسبة أخرى عندما قام بتعنيف موسيقار الأجيال الدكتور محمد عبد الوهاب، وما أدراكم ما عبد الوهاب، ووصفه بـ”المايع”، بسبب تقديمه أغنية: “ساعة ما بشوفك جنبى”.

 

كان النحاس باشا التقى “عبد الوهاب” في لوبي أحد الفنادق، وهمَّ الأخير بمصافحته، لكن الأول رفض مد يده، ووبخ الموسيقار والمطرب الكبير أمام جمهرة من الناس مرددًا: لا أسلم على مايعين.. مش إنت اللي بتغني وتقول: “مسكين وحالى عدم/ من كتر هجرانك/ يا اللى تركت الوطن/ والأهل علشانك”، ثم أردف متسائلاً: “إزاى تسيب وطنك عشان بنت؟ انت ما عندكش رجولة ؟ ماعندكش كرامة؟ ماعندكش وطنية؟ إنت زى اللى بتحبها، تخليك إنت، إنت محمد عبد الوهاب ابن الشيخ عبد الوهاب، تصير مسكين وتهجر وطنك وتسيب أهلك علشانها؟.. الحكومة لازم تمنعك من غُنا الموال ده. وإنت ممنوع تغنيه بعدالنهاردة، فاهم”؟!

 

هذا ما فعله مصطفى النحاس باشا مع ملحنين ومطربين تاريخيين في وزن فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب، في الوقت الذي تجاهل فيه مصطفي مدبولي أزمة الإسفاف الفني الذي تقوده عصابة المهرجانات: حموبيكا وشاكوش وحنجرة وكزبرة وحمو طيخة وحاحا وغيرهم.

 

تعتقد حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، أن الأوطان تُبنى بالكباري والأنفاق والمونوريل، وأن الحجر أولى من البشر، فيما لا يأتي الاهتمام بالتعليم والثقافة والفن والحفاظ على الذوق العام والارتقاء بهم ضمن أولوياتها، وهو ما انعكس وسوف ينعكس بتأثيرات سلبية وخيمة على عموم المصريين.. ولعل الأسوأ لم يأتِ بعد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى