استقرَّ في وجدان العامة والخاصة أن الحُكم هو عنوان الحقيقة، وأنه لا تعقيبَ على أحكام القضاء، ولكن على ما يبدو أن التنويريين المصريين يؤمنون ببعض القضاء، ويكفرون ببعض.
فور النطق بالحكم على المحامي المغمور المثير للجدل أحمد عبده ماهر بالسجن 5 سنوات؛ إثر إدانته بإزدراء الإسلام وإثارة الفتنة الطائفية.. انطلق تنويريو الداخل، وملاحدة الخارج في كل وادٍ يهيمون، وتباروَا في نشر المنشورات الإلكترونية الغاضبة، والرافضة للحكم شكلاً ومضمونًا، والمتضامنة مع المحامي المُدان، وراحوا يتباكون على مستقبل الجمهوية الجديدة في ظل صدور مثل هذه الأحكام الغاشمة “على حد وصفهم”، التي تغتصب حرية الرأي والتعبير، وهو ما يتطلب ابتداءً إخضاعهم للمحاكمة العاجلة؛ بتهمة التعقيب على أحكام القضاء، والإساءة المتعمدة إلى رجاله ومحاولة التأثير عليهم؛ علمًا بأن هذا الحكم قد يتم إلغاؤه أو تخفيفه قضائيًا أو رئاسيًا.
أحدهم كتب: يقول ابن خلدون: “يجب إعمال العقل في الخبر، وهذا ما فعله المستشار الجليل أحمد عبده ماهر، حيث نجح بجهوده والمئات من أمثاله في تطهير الإسلام من العنف والتكفير والتطرف الدموي الذي كان يُتلى على مسامعنا كل يوم في المدارس والمنابر.. بدلاً من مكافأته نقوم بحبسه في تصرف غريب وغير مسبوق”.
“لاحظ أن المذكور لم يكن مستشارًا وليس جليلاً، ولاحظ أن المتحدث يصف الحكم القضائي بأنه تصرف غريب”.
وتساءل آخر: هل للكتابة جدوى وسيف الإزدراء مسلط على الرقاب؟! نطالب بالعفو عن المستشار أحمد عبده ماهر، وإلغاء قانون الإزدراء، والبحث عن وسيلة لعدم تحريك البلاغات التي تقدم بدون رقيب ولا حسيب ضد المفكرين وتيار التنوير”!!
أي فكر، وأي تنوير ذلك الذي تتحدث عنه؟! هل كان يجب على القاضي أن يتغاضى أثناء نظر القضية عن سخافات أحمد عبده ماهر عن السنة النبوية وعلماء الحديث المتقدمين؛ حتى يرضى عنه التنويريون وأشياعهم وأذيالهم وأذنابهم؟ هل كان يجب عليه أن يتجاهل تخاريف المتهم الباحث عن الشهرة؛ حتى يصفق له التنويريون ويصفوه بـ”القاضي التنويري”، ويطالبوا بتعيينه وزيرًا للعدل؟.. هل المرادف الحقيقي للتنوير صار هذا الشطط وهذا السخف وهذا الجنون الفكري وهذا التطرف أيضًا؟
ما يردده أحمد عبده ماهر تطرف، والطريقة التي يعبر بها عن أفكاره متطرفة. التطرف ليس حمل السلاح فحسب، فللتطرف وجوهٌ متعددة ومتنوعة وكثيرة، وأحمد عبده ماهر، ورفاقه من أدعياء التنوير ومناطحة الإسلام أبرز تجلياتها، وربما يكون المَخرج الحقيقي لأحمد عبده ماهر ليس ادعاء العمى، كما فعل من قبل؛ استدرارًا للعطف وإثارة للشفقة، ولكن الكشف عن قواه العقلية.
فما كان يقوله ويردده المذكور في مداخلاته، وحواراته، وفيديوهاته، وكتاباته لا يخرج عن رجل صحيح العقل، سليم الفكر غالبًا، ولو كان هذا الحكم يتعلق بأحد أضداد التنويريين وخصومهم لتباروا مدحًا للقاضي وشماتة في المحكوم عليه ولرقصوا في الميادين العامة، فمذهبهم في الحياة كان ولا يزال: “نحن أصحاب الحق الوحيد، ولا أحد سوانا يملك الحقيقة، ومن ليس معنا فهو ضدنا ورجعي ومتخلف ويناهض التنوير”، وهو مذهبٌ ساقط أولاً وآخرًا.
لم أفكر يومًا في الكتابة عن أحمد عبده ماهر، وتفنيد منهجه المريض الساقط المتهافت؛ لإدراكي أنه، مثل المدافعين عنه والمتضامنين معه، مجرد شخص باحث عن الشهرة بأي شكل، حتى لو صنع صنيع الرجل الذي بال في بئر زمزم؛ ليتناقل القوم سيرته. ربما يتحمل الإعلامي وائل الإبراشي –شفاه الله- وزر ظهور المذكور تليفزيونيًا والتقيؤ على رؤوس الأشهاد بتخاريف وبذاءات كان يسميها تنويرًا؛ حتى يحظى برنامجه بمشاهدات كبيرة.
أحمد عبده ماهر يشبه الغاضبين من أجله، لا هم تنويريين ولا هم يحملون تنويرًا، ولكنهم قوم ضلوا وأضلوا ويريدون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، ويحسبون أنهم يحسنون صُنعًا. لو كان من بين هؤلاء رجل رشيد لنصح المذكور وأوصاه بأن يقول رأيه دون تطاول ودون افتئات ودون تجاوز ودون استعراض لـ”قلة الأدب”، أو يمسك عليه لسانه، وليسعه بيته. أحمد عبده ماهر عدو نفسه الأول والأخير، ومن يصفقون له شركاء في الإثم المبين.