فى الميدان

حكاية 107 سنة من الطوارئ والأحكام العرفية في مصر.. بدأ عام 1914 أثناء الاحتلال البريطاني.. وعبد الناصر أول من طبقه

كتب: أحمد عبد الحكيم

لأول مرة منذ سنوات طويلة، ألغى الرئيس  عبدالفتاح السيسي، الاثنين، مساء اليوم، الاثنين، حالة الطوارئ في عموم البلاد، في خطوة غير مسبوقة، تستهدف عودة الحريات.

سوشيال برس” حاولت البحث عن أصل قانون الطوارئ وبدايته، وآثاره على الحريات في مصر، لتجد أن القانون يمتد لأى نحو 107 سنة، حيث لجأ إليه الاحتلال البريطاني عام 1914، ثم كان اول رئيس مصري طبق قانون الطوارئ هو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

وشهدت مصر على مدى عمر أزماتها، فرض قوانين استثنائية تخول السلطات في البلاد التصرف بما تراه مناسباً لـ “فرض الأمن والنظام في البلاد”.

وعلى الرغم من أن تسمية “حال الطوارئ” ذاتها جاءت للمرة الأولى مع العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، إلا أن القوانين الاستثنائية كانت قائمة منذ العقد الثاني من القرن الماضي، تحت ما يُعرف بالأحكام العرفية.

ففي بدايات الحرب العالمية الأولى، وتحديداً في عام 1914 فرض الاحتلال البريطاني تلك “الأحكام العرفية” في مصر للمرة الأولى، وعين حينها حاكماً عسكرياً للبلاد، وعلى الإثر وللمرة الأولى لاحقاً تضمن دستور البلاد لعام 1923 النص الأول الذي ينظم تلك الأحكام العرفية، إذ نصت المادة (45) من الدستور، على أن يكون الملك هو من يعلن الأحكام العرفية، مع ضرورة عرضها فوراً على البرلمان، ليقرر استمرارها أو إلغاءها.

وبين عامَي 1939 و1943، أعيد فرض الأحكام العرفية مجدداً في البلاد، وبقيت سنوات مفروضة نظراً إلى الظروف حينها، ففي الحالة الأولى جرى فرضها على إثر الحرب العالمية الثانية، وبقيت طوال فترة الحرب، والثانية كانت بعد دخول الجيش المصرى فى حرب فلسطين، وبقيت نحو سبع سنوات. الأمر ذاته تكرر في يناير 1952، عقب أحداث حريق القاهرة، قبل أشهر قليلة من ثورة يوليو (تموز)، واستمرت طوال السنوات الأولى من عمر الثورة.

ومن الأحكام العرفية إلى حال الطوارئ تحولت المسميات، ففي أكتوير 1965 مع العدوان الثلاثي (حرب شنتها كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر إبان تأميم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قناة السويس)، بدأت رحلة “قانون الطوارئ” التي استمرت لسنوات وعقود طويلة لاحقة حتى عام 2021.

40 عاماً تحت الطوارئ

على مدى 13 عاماً بقيت البلاد تحت حال الطوارئ منذ العدوان الإسرائيلي على مصر في يونيو 1967، وعلى الرغم من رفعها في نهاية عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات 18 شهراً، إلا أنها عادت مجدداً بعد اغتياله في أكتوبر  عام 1981، واستمر العمل بها طوال فترة حكم خلفه الرئيس حسني مبارك على مدى 30 عاماً، وهو الأمر الذي استنكرته جهات حقوقية عدة آنذاك.

وكانت الطوارئ في عهد مبارك تجدد سنوياً، ولاحقاً حدد مجلس الشعب المصري تجديدها ثلاث سنوات حتى 2010، حين قرر البرلمان في مايو 2010 تجديدها عامين فقط.

وعلى الرغم من أن إلغاء الطوارئ كان من بين المطالب الرئيسة التي دعا إليها المحتجون في ميدان التحرير خلال أحداث يناير 2011، فإن فرضها عاد مجدداً بعد اقتحام “محتجين” مقر السفارة الإسرائيلية بالقاهرة في سبتمبر من العام ذاته، وجرى تجديد العمل بها حتى مايو 2012 (أعلن حينها رسمياً إيقاف العمل بالطوارئ) في نهاية عهد المجلس العسكري الذي حكم البلاد إبان حكم مبارك.

وعلى إثر ارتفاع منسوب العنف والإرهاب في البلاد، فرض الرئيس عبدالفتاح السيسي حال الطوارئ في سيناء منذ نهاية 2014، واتسعت لتشمل كل أراضي الجمهورية منذ أبريل 2017، تحديداً بعد حادثة استهداف كنيستين بالإسكندرية وطنطا (شمال) أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، ومنذاك ويجري تجديدها كل ثلاثة أشهر بموافقة مجلس النواب.

ماذا يقول الدستور؟

بحسب الدستور المصري في أحدث نسخه عام 2014، تنظم مادته (154) إعلان حال الطوارئ في البلاد، استناداً إلى قانون الطوارئ رقم (162) الذي صدر العام 1958، إذ تخول لرئيس الجمهورية إعلانها بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، مع إلزامه بعرضها لاحقاً، خلال مدة لا تجاوز سبعة أيام، على مجلس النواب وموافقة غالبية أعضاء المجلس لتمريرها.

كما نصت المادة على أن تعلن حال الطوارئ لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وألا تجدد إلا لمدة مماثلة بعد موافقة ثلثي نواب الشعب. موضحة أن رئيس الجمهورية هو من يعلن حال الطوارئ، وهو من يعلن انتهاءها، كما ينتهي العمل بها إذا رفض البرلمان إقرارها.

وبحسب نص قانون الطوارئ، عدّد الحالات التي يتوجب الاستناد إليها لفرض الطوارئ، والتي شملت الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوع حرب، وحدوث اضطرابات داخلية أو كوارث عامة أو انتشار وباء، مما يعني تعرض الأمن العام في أراضي الجمهورية أو مناطق منها للخطر.

ويعطي قانون الطوارئ صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية والحكومة، إذ يسمح باتخاذ إجراءات استثنائية بموجبه، من بينها وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وإحالة المتهمين إلى محاكم أمن الدولة وحظر التجول في بعض المناطق ومراقبة الرسائل، أياً كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها، فضلاً عن تمكين الجيش من فرض الأمن.

كذلك يمنح القانون الرئيس والحكومة صلاحية تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، ومصادرة أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.

في المقابل، يعطي القانون الحق لمن جرى اعتقاله بموجب الطوارئ في التظلم أمام محكمة أمن دولة عليا إذا انقضت ستة أشهر من تاريخ اعتقاله من دون أن يفرج عنه. وتفصل المحكمة في الأمر على وجه السرعة، ولا يعتبر قرارها نافذاً إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية.

وبحسب مواد قرارات الرئيس في تمديد أو تجديد الطوارئ، تشترك أغلبها في موادها على أن تتولى القوات المسلحة وهيئة الشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة الأخطار، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين.

17 إعلاناً للطوارئ

منذ أبريل 2017، مددت أو جددت السلطات إعلان حال الطورائ في البلاد 17 مرة، في كل مرة حددها الإعلان بثلاثة أشهر. ووفق ما جاء في أحدث قرارات تمديد الطوارئ الأحد الماضي، فقد نص قرار الرئيس على أن “تتولى القوات المسلحة والشرطة اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، وحفظ الأمن في البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وتفويض رئيس مجلس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في قانون الطوارئ، مع توقيع عقوبة السجن إزاء المخالفين للأوامر الصادرة عن رئيس الدولة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى