طلقة قلم

محمود حربي يكتب: على الطريق

في كل صباح استيقظ في تمام التاسعة وأسرع إلى ارتداء ملابس العمل واستقل سيارة ميكروباص، أفضل الجلوس بجانب السائق دائمًا، أخرج الهاتف وأعبث بتطبيقاته متنقلا ما بين الواتساب وفيسبوك وماسنجر وغيرها.. أقلب بصري ما بين الهاتف والسيارات المارة أمامنا وأرى مهارات السائق وهو يتوقف قبل الاصطدام بالسيارة التي تسبقه ثم يبتسم وينظر لي بنظرة تحدٍ.

 

عقدت العزم اليوم أن أضرب بطقوسي في المواصلات عرض الحائط.. وضعت هاتفي في الحقيبة وركبت في آخر كرسي بجانب الشباك وبدأت أتأمل رحلتي اليومية التي لا أعرف تفاصيلها.. انطلقت السيارة بسرعة كبيرة فنظرت إلى السيارات من الجانب وكأن الرياح تتخطفها إلى الوراء توقف السائق أمام مدرسة لينزل أحد الركاب.. فرأيت أب يربط حذاء صغيره المهترئ ويعده بشراء آخر جديد إذا ما هو تفوق فيمسح الصغير دموعه وينظر إلى المدرسة نظرة يملؤها الأمل والتحدي ويمسك بيده الصغيرة أطراف أصابع أبيه المتشققة ويتواريا عن الأنظار.. ثم نظرت وإذ بالأرض تطوى تحت سيارتنا.

 

توقف السائق عند إشارة مرور وراع انتباهي ذلك الفارس الذي يتوسط الميدان يشير بكلتا يديه هنا وهناك ويتصبب العرق من جبينه وقد علم مجراه من وجنتيه فيداعبهما قبل أن يلتحم بالأسفلت وتنطلق صافرة تأذن بمرور الصف الذي تتقدمه سيارتنا.

 

توقف السائق مرة أخرى أمام كوافير عرائس ورأيت فيه عروس لم تتجاوز العشرين، تخرج بكامل حليها وأناقتها وبجانبها الأهل مهللين، مصفقين ومغنيين.. وبجانب العروس عجوز تضع يدها على كتف ابنتها التي تخطت الخامسة والثلاثين -ولم تتزوج- وتدنيها فتهمس لها وتبتسم.

 

أدركت بعد هذه التجربة أنه فاتني الكثير حتى مكان نزولي! فانتبه وأنت تتأمل الحياة ألا تضيع طريقك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى