طلقة قلم

محمود حربي يكتب: عاقبة التدليل.. قصة قصيرة

قبل عشرين عامًا.. في بيت ريفي صغير، انطلقت زغاريد تبشر بقدوم مولود ذكر، انطلت عليه آمال أسرة.. فالجدة تقول: “لقد أتى أتى عمود البيت بعد خمس صبايا”، وتضع سبابتها بين حاجبي الصغير، وتقول في فرح: “ستكبر وتبني البيت وتحمل هم أخوتك وتزوجهن وتكون لوالدك سندًا”.. وأم بجوارها تطل الفرحة من مآقيها، تفاخر بصغيرها النسوة المهنئات.

 

فأثبتت أنها ليست بأقل من أولئك اللائي ينجبن الصبيان، ودفعت بصغيرها باب الضرة؛ فلطالما كانت الأصوات تنادي في زوجها ليل نهار كي يتزوج بأخرى تنجب له الوريث – ومن يحمل راية الفقر من بعده ويعلي اسم أبيه بين سجل الفقراء – غير أن الزوج جاهد هذه الأصوات قدر المستطاع، لكن كما يقال: “الزن على الودان أمر من السحر”، فتخلصت بهذا المولود من الزن وأمنت عقباه..

 

تمر الأيام والأعوام، وهم يغدقون عليه بكل ما يملكون، يمنعون عن أفواههم الطعام أيّامًا كي يطعموه ويكسوه.. يكبر مدللًا مرفهًا لا يحمل همًّا ولا يملك عزما.. كل هذا وهم ينتظرونه يكبر كي يساندهم.

 

مرت العشرون عامًا الأولى، وذهب الفتى مع أصدقائه.. في البيت يظنونه يصنع المجد في الغربة، عاد إليهم ببنطال مهترئ وشعر طويل معقود في آخره، ويحمل على عنقه قلادة، وفي يمناه ما يسمى بالحظاظة، يدخل البيت، والبيت على حاله، غير أن الجدة انتقلت إلى صورة معلقة بجدار إحدى الغرف، والوالدان خالط البياض شعر رأسيهما، والصبايا معقود الحزن على نواصيهن، فلم يطرق بابهن زائر منذ أمد.

 

دخل الفتى البيت الريفي، فانطلقت من البيت صرخات تنعى آمال أسرة ظلت معلقة طيلة عشرين عامًا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى