اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالسخرية اللاذعة، عقب انسحاب عدد من الفنانين المصريين خارج قاعة عرض فيلم “ريش” والذي عرض خلال فعاليات مهرجان الجونة السينمائي الدولي في نسخته الخامسة.
وهو الفيلم الفائز بالجائزة الكبرى لمسابقة أسبوع النقاد الدولي ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي، متهمين الفيلم ومخرجه عمر الزهيري بتهمة من أغرب الاتهامات التي يتم استخدامها مؤخرا ضد كل من يقدم رؤية مختلفة وخارجة عن السياق، وهي تهمة “الإساءة لمصر” وبدورهم وجه رواد مواقع التواصل الاجتماعي عددا من الاتهامات للفنانين المنسحبين من عرض الفيلم والتي تتمحور حول الطبقية والانفصال عن الواقع وانعدام الموهبة وأخيرا الجهل بصناعة السينما.
فما الذي قدمه فيلم “ريش” ليثير مثل هذه الضجة الكبرى؟! الفيلم يلقي الضوء على حياة أسرة مصرية فقيرة عقب تحول رب الأسرة إلى “دجاجة” في لعبة يقوم بها أحد السحرة الفاشلين والذي لا يتمكن من اعادة الرجل إلى ما كان عليه قبل مسخه على هذا النحو المزري! لتضطر ربة الأسرة إلى القيام بدور الرجل في العمل لإعالة أطفالها.
إلى هنا تبدو غرابة الفكرة ودلالاتها مشوقة. خاصة مع الكادرات الضيقة والحقيقية تماما والتي نجح عمر الزهيري في تقديم الواقع المصري القاتم من خلالها. وربما كانت هذه هي موهبة عمر الزهيري والتي قد تمكنه مستقبلا من صناعة أفلام أفضل، تعتمد على الصورة بشكل أساسي. غير أن الزهيري وهو مشارك أيضا في كتابة سيناريو الفيلم قدم سيناريو مهلهلا لا يمكن الاعتماد عليه في صناعة فيلم جيد. كما أغفل يكاد يكون تماما باستثناء بعض المشاهد التي اضطر فيها إلى استخدام الحوار. لم يهتم مخرج الفيلم أيضأ بطبيعة العلاقات بين الشخوص، ومن ذلك على سبيل المثال أننا نجد بطلة الفيلم تشرف على علاج شخص ما لا نفهم طبيعة علاقتها به!غير أن الدلالة العميقة من وجهة نظري في هذا الفيلم تمكن في مشهد ذبح الزوجة للدجاجة/الزوج لحظة ادراكها أنه لم يعد ذا قيمة وربما كان من الأفضل أن يصير طعاما لأطفالها!قدم الزهيري والسيدة دميانةهذا المشهد بهدوء واحترافية عالية. أما ما دون ذلك فينقصه الكثير من عناصر العمل الفني.السيدة دماينا نصار، بطلة الفيلم، ليست ممثلة محترفة، غير أنها تتمتع بتلقائية لطيفة لم تحسن استغلالها، بل إنها تجاوزت الحد الفاصل بين التلقائية والجمود فبدت غير مقنعة ثم إنني أشك أنها ستظل محتفظة بتلقائيتها حال احترافها مهنة التمثيل، والعمل مع مخرجين وفي وسط متشنج، لا يعرف شيئا عن صناعة السينما ولا يعرف شيئا عن مصر الحقيقية، مصر الفقيرة البائسة التي تحول رجالها إلى حفنة من الدجاج وتحول نساءها إلى أدوات لجلب الرزق لا أكثر من ذلك!
يمكنني إذا كمشاهد أن أقول إن الفيلم ضعيف فنيا غير أنه يبشر بميلاد مخرج مختلف، فقط تنقصه الخبرة والامكانيات والمناخ الملائم لصناعة سينما حقيقية ومغايرة. مناخ خال من التهم السخيفة المعلبة والمسيئة لمصر، نعم، هذه النوعية من الاتهامات هي التي تسيء لسمعة لمصر، لسمعة فنانيها ومثقفيها ومبدعيها وتسيء بالضرورة لنظامها الحاكم. ويا عزيزي عمر الزهيري، أرجوك لا تكرر تجربة كتابة السيناريو مرة أخرى