صحافة زمان

قصة سجن العقاد 9 أشهر.. ومعركته مع خادمه على صفحات الجرائد

حكايات يقصها الكاتب الصحفي طاهر عبد الرحمن
الكاتب الصحفي طاهر عبد الرحمن

في عام 1930 حُكِم على الكاتب الكبير عباس محمود العقاد بالسجن لمدة 9 أشهر بتهمة العيب في الذات الملكية، والقصة بالطبع معروفة، حيث كان العقاد عضوا في مجلس النواب، وقتها حاول الملك فؤاد تغيير بعض مواد الدستور (دستور 1923 الشهير) بما يخدم مصالحه وأطماعه الاستبدادية، ووقف الكاتب الكبير في جلسة علنية تحت القبة مدافعا عن دستور ثورة الشعب وقال جملته الشهيرة: «إن الأمة مستعدة لسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه».

فهم الجميع المعنى الذي قصده العقاد، وأولهم بالطبع الملك فؤاد ورئيس وزرائه في ذلك الوقت، صدقي باشا، وعلى الفور تم تقديمه للمحاكمة والتي عاقبته بالسجن.

قضى الكاتب الكبير عقوبته كاملة في سجن مصر العمومي، وبعدها خرج ليكتب عن تجربته تلك في كتابه: «عالم السدود والقيود».

الكتاب صغير، 114 صفحة، يتضمن 18 فصلا، وعبرها يحكي عن ذكرياته وتجربته – لأول وأخر مرة – بنظرة الأديب والناقد مع عالم السجن وإدارته ولوائحه وقوانينه و”زملائه” من المحكوم عليهم، بأسلوب مباشر وصريح وواقعي.

لكن تلك التجربة ليست موضع اهتمامنا الآن..

موضع الاهتمام هو الفصل العاشر من الكتاب، وهو بعنوان: أحمد حمزة، وهو الشخص الذي كان يساعد الكاتب الكبير في المنزل ويقوم على خدمته منذ سنوات.

ويحكي العقاد بعضا من “نوادر” ذلك الشخص معه، وكلها حكايات طريفة ولطيفة ومفارقات تثير الضحك، من بينها أنه قام بتعليق لوحة “قصر أنس الوجود” مقلوبة، وأنه كان ينسى أسماء الذين يتصلون هاتفيا بالمنزل، وكان يكتفي بتدوين عبارة “أحدهم اتصل”.

وسبب ذكر اسم الخادم في فصول ذلك الكتاب هو أنه – بسبب سوء فهمه – كان يُضيّع على الكاتب الكبير المسجون وقت الغداء، فالعقاد كان معتادا في حياته العادية تناول الطعام في الثانية بعد الظهر، ولكن لوائح مصلحة السجون كانت تحدد وقت الغداء في الثانية عشرة ظهرا، وهو ما لم يفهمه أو يستوعبه خادمه، وظل مُصرا على الذهاب إلى السجن بعد انتهاء موعد الغداء.

بالطبع فإن قارىء الكتاب سوف تضحكه تلك المواقف، وبلا شك سوف ينسى اسم ذلك الشخص بعدما ينتهي من قراءة الكتاب، ولن يهمه معرفة أي شيء عن «أحمد حمزة»، وهذا مفهوم وطبيعي.. إلى حد ما.

لكن – وككل قصة إنسانية – فإن قصة أحمد حمزة لها جوانب – أو بقية – أخرى، فهذا الرجل الذي ظل لسنوات يعمل في بيت الكاتب الكبير ويرعى شئون بيته، لم تنته قصته مع وفاة العقاد عام 1964، حيث طلب أن يكون حارسا لمقبرته في أسوان، وكانت أمنيته أن يُدفن بجواره.

هذا الرجل كان مثار جدل حدث على صفحات مجلة الهلال في أواخر عام 1972 وأوائل عام 1973.

ففي عدد شهر نوفمبر 1972 بمجلة الهلال، نُشرت رسالة من شاب يدعى عبد المجيد حسن خليل، وهو حفيد أحمد حمزة (من ابنته) يقول فيها أن ما كتبه الراحل الكبير عن جده “افتراء كبير ومبالغة زائدة” منه تجاه “رفيق عمره”، فهو – أي أحمد حمزة – لم يكن “غبيا” أو “أميا” كما تم تصويره في الكتاب، بل كان يقرأ ويكتب، وكان “حاملا لكتاب الله” وقارئا له بانتظام.

ويعبر الحفيد عن صدمته في ما كتبه الكاتب الكبير، لأنه مخالف للحقيقة، فالعلاقة بينه وبين جده كانت علاقة أكبر وأقوى من مجرد علاقة خادم بسيده، هذه العلاقة هي التي دعته أن يطلب تعيينه حارسا للمقبرة ليكون قريبا من “صديقه”.

ويختم الحفيد رسالته بقوله أنه يمتلك عدة خطابات متبادلة بين جده والعقاد، ووعد أن يقوم بنشرها في رسائل أخرى لمجلة الهلال، ولكن الأعداد التالية خلت من أي رسائل منه.

لكن الحديث عن موضوع “العقاد وخادمه” ظهر مرة أخرى في عدد يناير 1973 من الهلال، وهذه المرة نُشرت رسالة من “محمود العقاد” (لا أعرف صلة قرابته للعقاد الكبير) يرد فيها على ما جاء في رسالة الحفيد، وفيها أن الكتاب منشور منذ عام 1937 وهو متاح للجميع ويمكن الرجوع إليه ليحكموا عليه.

وفي رأيه أن ما كتبه الكاتب الكبير عن خادمه ليس فيه أي انتقاص من قدره ولا يحط من شأنه، بل هي مجرد مفارقات ومواقف طريفة لا أكثر

ويبدي “العقاد الصغير” ملاحظة تُبين أن كاتب الرسالة لم يقرأ الكتاب، فهو عندما يستشهد بما جاء في الكتاب يقول أن اللوحة التي طلب العقاد من جده تعليقها هي لوحة “الجيوكاندا”، بينما اللوحة التي ذُكرت في الواقعة هي لوحة “قصر أنس الوجود”.

المفاجأة الكبرى في القصة هي أن ذلك الحفيد ذكر في رسالته أنه طالب بكلية التجارة، ولكن محمود العقاد كتب يقول أنه سأل جده أحمد حمزة وقرأ له رسالة حفيده، فأكد له الجد أن حفيده لا ينتمي إلى أي جامعة بل يعمل “ميكانيكيا” في أحد جراچات حي المنيرة، وهو ما يوحي بأن “أحدهم” كتب تلك الرسالة واستغل اسم الحفيد لهدف ما غير برىء!؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى