تتجه أنظار العالم غداً السبت إلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث تبدأ الاحتفالات الرسمية بإعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام، أحد أهم المعالم التاريخية والدينية في فرنسا والمدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، بعد خمس سنوات وتم إغلاقه إثر الحريق الهائل الذي دمر أجزاء كبيرة منه.
مع فتح أبوابها من جديد، تدق أجراس كاتدرائية نوتردام في باريس من جديد، إيذاناً ببدء احتفالات استثنائية تجمع على مدى يومين بين الطقوس الدينية والاحتفالات الموسيقية، في مشهد يجسد عودة الروح من جديد إلى هذا المعلم التاريخي الذي يقع في الدائرة الرابعة لباريس، أي في قلب المدينة. العاصمة الفرنسية.
وتعرضت الكاتدرائية، التي صممها المهندس المعماري يوجين فيوليت لو دوك عام 1859، لحريق هائل في 15 أبريل 2019، أدى إلى تدمير ثلثي سقفها والتهم برجها الشهير الذي يبلغ ارتفاعه 96 مترًا، ما أدى إلى انهياره. بالكامل.
وقد أحدث هذا الحريق صدمة في فرنسا والعالم أجمع، لما يحمله هذا المعلم من قيمة تاريخية وثقافية. وسجلت اللقطات ليس فقط حزن المواطنين على هذا الصرح التاريخي، بل أيضا ذهول وصدمة السياح وهم يشاهدون ألسنة اللهب وهي تلتهم الكاتدرائية التي تمثل أحد أهم المعالم التاريخية والسياحية في باريس.
منذ اليوم التالي للحريق، تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بترميم الكاتدرائية، هذه التحفة من الفن القوطي التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر، خلال خمس سنوات، بعد إطلاق حملة تبرعات حققت نجاحا كبيرا. وتجاوزت التبرعات فرنسا وتدفقت من جميع أنحاء العالم، حيث بلغت حوالي 846 مليون يورو، من 340 ألف جهة مانحة مختلفة من 150 دولة.
وحرص ماكرون على تفقد أعمال الترميم بانتظام لمعرفة مدى تقدم العمل حتى أعيد افتتاح الكاتدرائية الشهيرة في باريس في موعدها هذا العام، وأيضا للتعبير عن تقديره وامتنانه للعاملين في هذه الكاتدرائية التي يبلغ عمرها حوالي 850 عاما و مما يعكس الجانب الثقافي والمعماري والتاريخ الديني لفرنسا.
وخلال زيارة قام بها ماكرون مؤخرا لتفقد المبنى قبل إعادة افتتاحه رسميا غدا السبت، أشاد بالجهد الاستثنائي الذي بذله كل من ساهم في ترميم هذا الصرح العريق. وقال ماكرون أمام الحرفيين: “إن حريق نوتردام كان جرحاً وطنياً، وكنتم دواءه بالإرادة والعمل والالتزام. لقد حققتم ما كان يعتقد مستحيلاً”. أعيد بناء البرج الذي انهار أثناء الحريق، وتم ترميم السقف والجدران والنوافذ الزجاجية التاريخية، في عملية ترميم دقيقة استغرقت خمس سنوات، وشكلت “ملحمة إنسانية حقيقية”، بفضل مهارات العديد من الخبراء. آلاف الحرفيين والمهندسين المعماريين والمتخصصين من جميع أنحاء العالم.
أما الجدران الداخلية للكاتدرائية فقد تم تنظيفها بعناية من آثار النار والغبار التي تراكمت على مر القرون. تمثل عمليات الترميم هذه عودة الروح إلى أحد أبرز المعالم الثقافية والدينية في فرنسا.
ومن المقرر أن يبدأ الحفل مساء غدٍ في ساحة الكاتدرائية، حيث سيتم عرض فيلم يوثق مسار الأحداث منذ حريق 15 أبريل 2019 وأعمال الترميم التي تمت، وتكريم كل من ساهم في هذا الإنجاز بما في ذلك رجال الإطفاء. والمعماريين والعاملين في المجال الفني وكل الحرفيين الذين ساهموا في ذلك. وهذا الإنجاز بحسب ما أعلنته الرئاسة الفرنسية. ثم يلقي الرئيس الفرنسي كلمة يشيد فيها بإعادة افتتاح هذه الكاتدرائية العريقة وأهميتها من الناحية الدينية، ويسلط الضوء على الأحداث التاريخية التي شهدها هذا الصرح التاريخي. عاصر العديد من ملوك ورؤساء فرنسا، بحضور رؤساء نحو 50 دولة وحكومة من جميع أنحاء العالم. وبينما لن يحضر البابا فرنسيس الاحتفالات بهذه المناسبة، فإن ممثله سيقرأ خلال الحفل رسالة وجهها إلى الفرنسيين.
وفي مشهد ينتظره الملايين حول العالم، وتبثه العديد من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، تبدأ المراسم الدينية لإعادة فتح الكاتدرائية، حيث يؤدي رئيس أساقفة باريس، لوران أولريش، إحدى الطقوس التقليدية القديمة يطرق أبواب الكاتدرائية المغلقة بعصاه ثلاث مرات، ليرد مغنو الكاتدرائية. “نوتردام” (السيدة) وتنفتح الأبواب ويدخل المطران والرئيس الفرنسي برفقة الزوار.
وفي هذا المشهد المهيب يعلن رئيس أساقفة باريس عودة الحياة من جديد إلى هذا الصرح التاريخي خلال احتفال ديني حضره كبار الشخصيات الكاثوليكية والمسؤولين الأجانب والمانحين الذين ساهموا في هذا الترميم.
ثم يقام حفل غنائي استثنائي يجمع نخبة من أشهر الفنانين العالميين ومن بينهم عازف البيانو الصيني الشهير لانغ لانغ، والسوبرانو الجنوب إفريقية بريتي يندي، بالإضافة إلى مطربين آخرين والمغنية اللبنانية هبة طوجي، لتقديم مقطوعة موسيقية. قطع تليق بهذا الحدث التاريخي.
وفي صباح اليوم التالي الأحد سيقام القداس الأول داخل الكاتدرائية بحضور الرئيس الفرنسي، وبمشاركة نحو 170 أسقفا من فرنسا ومختلف دول العالم. ثم في الساعة 6:30 مساءً، سيقام القداس الأول المفتوح للجمهور.
وفي إطار الاستعدادات غير المسبوقة لهذا الحدث التاريخي، كشفت السلطات الفرنسية عن خطة لتأمين حفل إعادة افتتاح الكاتدرائية. وأوضح قائد شرطة باريس، لوران نونيز، أن الإجراءات الأمنية ستكون استثنائية، حيث سيمتد المحيط الأمني ليشمل تسعة جسور تحيط بالكاتدرائية، مع نشر 6000 شرطي ودرك. ومن المتوقع أن يحضر أكثر من 40 ألف شخص على الأرصفة المرتفعة بالقرب من الكاتدرائية.
وبعد هذه الاحتفالات الرسمية، تفتح الكاتدرائية أبوابها مرة أخرى أمام الزوار، وتدق أجراسها، وتبدأ الصلوات، وتنشد الترانيم تخليدًا لذكرى إحدى أكبر الكاتدرائيات في الغرب، والمدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو. وبذلك تستعيد الكاتدرائية بريقها الذي يجذب الأنظار، لتستقبل من جديد الزوار من كافة أنحاء العالم، حيث تعد من أهم المعالم التاريخية والسياحية في باريس، حيث اعتاد ثلاثة عشر مليون زائر زيارتها سنوياً.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
مصدر المعلومات والصور: socialpress