ويعد “طريق الحج” الذي يمتد عبر قلب شبه جزيرة سيناء، أحد أهم الطرق التاريخية في العالم الإسلامي. وكان هذا الطريق شريانًا حيويًا يربط مصر بالأراضي المقدسة في الحجاز، واستخدمه الحجاج المصريون على مر العصور. وشهدت تدفق الحجاج المصريين والعرب إلى مكة سنويا لأداء مناسك الحج. ويمتد هذا الطريق عبر مناطق جبلية وصحراوية في سيناء، وكان الحجاج يسلكونه في قوافل ضخمة، وتستمر رحلتهم عليه عبر ثلاث مراحل رئيسية، منذ أوائل العصور الإسلامية وحتى بداية الحرب العالمية الأولى. وعلى جانبيه، ويوجد بها آثار تاريخية مثل “قلعة نخل” وأطلال آثار السلطان قانصوه الغوري والتي تعتبر من أبرز آثار هذا الطريق.
وتشير البيانات التاريخية إلى أن طريق الحج مر عبر سيناء بتقسيمات واضحة تتفق مع مراحل الرحلة الطويلة التي قطعها الحجاج. تم تقسيم الطريق إلى ثلاث مراحل رئيسية، وفي كل مرحلة قطع الحجاج مسافة محددة على مدى عشرة أيام. وبدأت المرحلة الأولى من القاهرة إلى عجرود مسافة 150 كيلومتراً، وبدأت المرحلة الثانية من عجرود إلى نخل مسافة 150 كيلومتراً أيضاً. المرحلة الثالثة تبدأ من نخل وصولاً إلى عقبة أيلة بمسافة تصل إلى 200 كيلومتر.
وقد قطعت هذه المراحل قوافل الحجاج على ظهور الجمال، متجهة نحو مكة عبر سيناء، في رحلة طويلة وشاقة. ويبدأ “طريق الحج المصري” من منطقة عجرود غرب السويس، حيث ينطلق الحجاج عبر الصحراء متجهين نحو مدخل صحراء تيه، مرورا بمناطق مثل النواطير ووادي القريض. ودب البغل، ثم يصلون إلى منطقة النخل بشمال سيناء. ومن نخل يتوجه الحجاج إلى خليج العقبة، مروراً بميناء نويبع بجنوب سيناء، باتجاه الأراضي السعودية عبر خليج العقبة ومن ثم إلى مدينة أيلة الأردنية.
ولم يقتصر هذا الطريق على الحجاج المصريين فقط، بل شهد أيضًا مرور قوافل الحجاج من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بما في ذلك حجاج الأندلس والمغرب الأقصى والسودان، وحتى الحجاج من مناطق شمال إفريقيا. وكان طريق الحج عبر سيناء شريانا حيويا يمتد بين القارات ويؤدي إلى مكة عاصمة العالم الإسلامي.
منذ العصور الإسلامية الأولى، كان “طريق الحج” موضع اهتمام الحكام والسلاطين الذين حرصوا على تسهيل رحلات الحجاج وضمان أمنهم. وقد سلك هذا الطريق العديد من الشخصيات البارزة على مر العصور، مثل شجرة الدر سنة 648 هجرية، التي قامت برحلة حج على طول الطريق في وقت كانت الأحداث السياسية متوترة في مصر. كما استولى عليها القائد العسكري السلطان بيبرس في العصر المملوكي، بالإضافة إلى السلطان الناصر قلاوون سنة 719هـ، الذي بذل جهوداً كبيرة لتطوير الطريق وتأمينه. وكانت محطات الطرق مثل قلعة نخل وغيرها من المناطق مليئة بالآثار التاريخية التي تحمل آثار هؤلاء الحكام.
ومع استمرار التدفق السنوي للحجاج، كانت كل قافلة تمر بهذا الطريق تحمل معها “المحمل المقدس” الذي يحتوي على كسوة الكعبة، والذي يتم إرساله سنويًا عبر الطريق لتقديمه إلى الكعبة في مكة. واعتبر هذا “المحمل” حدثا مهما في العالم الإسلامي، ويعتبر من أبرز معالم طريق الحج.
وإذا كان “طريق الحج” قد شهد فترات من الاهتمام على مر العصور الإسلامية المختلفة، فإن العصر المملوكي يعتبر ذروة ازدهار هذا الطريق. وقد بذل سلاطين المماليك جهودًا كبيرة في تطويره وحمايته، حيث كان السلطان الظاهر بيبرس، والسلطان المنصور سيف الدين قلاوون، والسلطان الناصر محمد بن قلاوون، من أبرز السلاطين الذين ساهموا في تطوير هذا الطريق و تسهيل رحلات الحجاج. كما قام هؤلاء الحكام ببناء العديد من المحطات والقلاع على طول الطريق، لتوفير الحماية للحجاج وتأمين رحلتهم.
بالإضافة إلى ذلك، ومن أهم معالم هذه الفترة قيام السلطان قانصوه الغوري بنقش اسمه على صخور الجبل على جانبي الطريق، وهو ما يعتبر من أبرز المعالم التاريخية التي تحافظ على ذكرى هذا المملوكي. عصر. ويعتبر هذا النقش شاهداً على الاهتمام الذي تلقاه هذا الطريق من الناس. قبل حكام المماليك.
على الرغم من الأهمية التاريخية والطابع الروحي الكبير لطريق الحج عبر سيناء، إلا أن تدفق الحجاج عبره بدأ في الانخفاض بشكل ملحوظ مع بداية القرن العشرين، مع تزايد حدة الأزمات السياسية والصراعات العالمية. ومع ظهور وسائل النقل الحديثة التي اختصرت الوقت والمسافة بين مصر والأراضي المقدسة، تضاءل دور الطريق في نقل الحجاج برا، حتى لم يعد الطريق يستخدم بانتظام كما كان في الماضي.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
مصدر المعلومات والصور: socialpress