طلقة قلم

د. علي عبد الله يكتب: رأس المال البشري.. الثروة التي تبني اقتصاد المستقبل

يُعد رأس المال البشري أحد أهم أصول الدول والمؤسسات في القرن الحادي والعشرين، لأنه يمثل المهارات والمعرفة والخبرات التي يمتلكها الإنسان، ومع التطور السريع في التكنولوجيا والتحول نحو الاقتصاد الرقمي، أصبح الاستثمار في الإنسان أهم من الاستثمار في أي مورد آخر.

تؤكد المؤسسات الدولية (البنك الدولي) أن رأس المال البشري مسؤول عن أكثر من 65% من ثروة الدول المتقدمة، بينما لا تشكل الموارد الطبيعية سوى 20% تقريبًا، مما يعكس قوة العنصر البشري في تحقيق النمو، وفي بعض الدراسات، تبين أن كل دولار يُستثمر في التعليم يعود بثلاثة دولارات إلى الاقتصاد على شكل إنتاجية أعلى وفرص عمل أفضل.

يُعد التعليم الركيزة الأساسية لبناء رأس مال بشري قوي، على سبيل المثال، تشير الإحصاءات العالمية إلى أن زيادة سنة تعليم واحدة فقط يمكن أن ترفع دخل الفرد بنسبة تتراوح بين 8% إلى 10%. كما أن الدول التي رفعت نسبة الالتحاق بالتعليم العالي إلى أكثر من 50%، مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة، حققت قفزات اقتصادية كبيرة خلال 20 عامًا فقط، واعتمدت على مهارات مواطنيها أكثر من اعتمادها على موارد طبيعية محدودة.

لا يكتمل رأس المال البشري دون صحة جيدة، فالاقتصادات تخسر سنوياً ما يزيد عن 3 تريليونات دولار بسبب الأمراض المزمنة، وانخفاض إنتاجية العمال، وفي المقابل تحسين جودة الرعاية الصحية يمكن أن يرفع الإنتاجية بنسبة 20%، لأن العامل السليم قادر على الإبداع والعمل بكفاءة أعلى.

أما في المؤسسات، فالموظفون المدربون يساهمون في رفع الإنتاجية بنسبة تصل إلى 40%، بينما تقل أخطاء العمل بنسبة 30% عند تقديم برامج تدريب مستمرة. ولهذا، تستثمر الشركات العالمية الكبرى مثل جوجل وأمازون مليارات الدولارات سنوياً في التدريب وبناء المهارات الرقمية، لأنها تدرك أن الإنسان هو مصدر الابتكار الأول.

لكن التحديات ما زالت قائمة، مثل هجرة العقول التي تتسبب في خسائر ضخمة، تشير بعض التقديرات إلى أن الدول العربية تخسر سنويًا ما يقارب 200 مليار دولار نتيجة هجرة الكفاءات، كما أن ضعف جودة التعليم في بعض الدول يقلل من القدرة التنافسية ويحد من تكوين رأس مال بشري قوي.

ورأس المال البشري هو الثروة التي لا تنضب، لأنه المورد الوحيد الذي تزداد قيمته بمرور الوقت، وعندما تستثمر الدول في التعليم والصحة والتدريب، فإنها لا تطور اقتصادها فقط، بل تبني مستقبلًا قائمًا على المعرفة والإبداع والقدرة على المنافسة عالميًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى