حكاية امتلاك هيكل مستندات تدين مصطفى أمين في قضية التجسس.. وحرق آلاف الوثائق في منزله بالجيزة عقب عزل مرسي
حكايات يكتبها الكاتب الصحفي طاهر عبد الرحمن
عندما نشر الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابه الشهير “بين الصحافة والسياسة”، والذي كان شهادته على قضية تجسس الأستاذ مصطفى أمين والتى حُوكم بسببها وسجن فى الستينيات، ذكر أنه احتفظ بثلاث وثائق لم يضمها في الكتاب، وأنه سوف ينشرها إذا ما قرر مصطفى أمين الرد على كتابه، ولمّا لم يرد الأخير فإن هيكل لم ينشر تلك الثلاث وثائق، ومن وقتها لا أحد يعرف ماذا كان فيها، وهى التى اعتبرها الأستاذ ” القول الفصل” فى القضية الشهيرة.
من المعلوم أن هيكل كان يمتلك مجموعات ضخمة من الوثائق، منها ما حصل عليها بسبب قربه من صانعي القرار في عصر جمال عبدالناصر وبداية عصر أنور السادات، ومنها ما حصل عليها من أوروبا وأمريكا عن طريق أصدقاء له طلب منهم استخدام قوانين حرية المعلومات للحصول على مايهمه من وثائق أوطانهم، خصوصا فيما يتعلق بمصر ومنطقة الشرق الأوسط.
ومن المعلوم أيضا أنه كان يحتفظ بكل تلك الوثائق – أو الخطير منها – بالإضافة لما كان يكتبه بنفسه عما رآه وشاهده خلال مسيرته الطويلة الحافلة في “مخبأ” أوروبي بإجراءات أمنية مشددة بعيدا عن مصر، خوفا من العبث بها أو اتلافها، حيث قرر نقلها للخارج عندما لمح بوادر الصراع بين السادات ومجموعة مراكز القوى عام 1971، وكما قال هو بنفسه (صفحة 35 من كتابه مبارك وزمانه) أنه استأذن السادات فى ذلك، وأن الرئيس سمح له بإخراجها.
ولسنوات طويلة ظل الأستاذ يتحدث عن وثائقه وأوراقه فى كتبه وأحاديثه التليفزيونية، وكان طول الوقت يُعبر عن رغبته الشديدة فى التبرع بها أو إهدائها لمركز علمي أو بحثي مصري حتى يتسنى الإطلاع عليها ودراستها، فمرة فكر إيداعها مكتبة الإسكندرية، ومرة في دار الكتب والوثائق القومية، ومرة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، ومرة في مكتبة كلية الإقتصاد والعلوم السياسية، وأخيرا – قبل وفاته – عندما أسس مؤسسته الخاصة للصحافة العربية، وأراد ضم كل مالديه فى مكتبة تلك المؤسسة، ولكنه في كل مرة كان يتراجع والسبب المعلن هو عدم توفر ضمانات حقيقية – من وجهة نظره – لتلك الأوراق والوثائق، ومما يحسب له أنه ظل طول الوقت رافضا فكرة بيعها لمراكز بحثية وأكاديمية غربية كانت تعرف قيمتها وقيمته، وكان أشهرها عرض كلية سانت أنتونى بجامعة أكسفورد، المتخصصة فى دراسات الشرق الأوسط، والتى اشترت وتشترى أوراق ومذكرات كل من له صلة بالمنطقة، وكانت تلك الكلية قد قدرت قيمة أوراق هيكل بمليون جنيه إسترلينى.
وهكذا ظلت تلك الأوراق والوثائق في حوزة هيكل ولا أحد يعرف أين مكانها، أو متى وكيف يقرر صاحبها إتاحتها للمتابعين والمهتمين، لكن – بشكل أو بأخر – كان هناك شبه يقين أن الأستاذ – الصحفي والكاتب والمهتم بالتاريخ والمعلومات – لديه خطة ما أو طريقة لنشرها.
حتى جاء يوم 15 أغسطس 2013، يومها هاجم متطرفون منزله الريفي في برقاش غضبا وسخطا لموقفه المؤيد لما حدث فى 30 يونيو، وأضرموا النيران فى المنزل واحترق بالكامل، بعدها خرج هيكل فى حديث تليفزيوني مع لميس الحديدي يقول أن الخسارة الناجمة عن الحريق لم تكن فقط شخصية بالنسبة له ولعائلته بل عامة وتاريخية لأن مجموعات ضخمة وهائلة من الوثائق راحت فى الحريق، وكانت تلك أول مرة نعرف أن الأستاذ يحتفظ بشيء من وثائقه وأوراقه المهمة داخل مصر وفي بيته الريفى فى الجيزة!
في كتابه “أحاديث برقاش: هيكل بلا حواجز” يقول الكاتب الصحفي عبدالله السناوي أن “الخسارة أكبر من أن يتصورها أحد”، فلقد احترقت عشرات الآلاف من الوثائق المصرية والأجنبية والتي تستغرق فترة مابعد يوليو 52 وحتى أكتوبر 73، وأيضا نصوصا أصلية بخط جمال عبدالناصر ومصطفى النحاس وجان بول سارتر والمارشال مونتجمري وبرتراند راسل والصحفي الأمريكي الأشهر والتر ليبمان ومحمد التابعي ومصطفى أمين و..و.. بالإضافة إلى تسجيلات نادرة وشهادات رجال من العصر الملكي ومابعده…
كل ذلك وغيره راح في الحريق وهو – قطعا – خسارة مابعدها خسارة، لكن السؤال الذى يفرض نفسه : لماذا استخرج الأستاذ كل تلك الوثائق من “مخبأها” الأوروبي وأعادها لمصر واحتفظ بها في منزل ريفي بلا أدنى حراسة أو تأمين؟وهو نفس المنزل الذى تعرض للسرقة عام 2000 (كما حكى بنفسه فى مقاله الشهير “استئذان فى الإنصراف”) وكان واضحا – كما قال له خبراء أمن أن السرقة ليست جنائية وإنما ” رسالة” سياسية له من “أحدهم”، وهو الذى ظل طول عمره يحافظ عليها ولم يفصح لأحد – حتى لتلميذه الأثير الأستاذ عبد الله السناوى – عن مكانها؟ ثم متى عاد بها؟هل قبل ثورة يناير 2011 وهو الذى كان مصنفا ك”عدو” لدود لنظام مبارك؟ أم بعدها؟ وهل كان الوضع السياسي والأمني في مصر وقتها يسمح بذلك!؟
كل تلك الأسئلة بلا إجابة.
مرة واحدة جاءت سيرة تلك الوثائق والأوراق عندما تحدث أحمد هيكل، نجل الأستاذ، مع منى الشاذلي في برنامجها وقال أن في وصية والده نصا يتعلق بما كان في حوزته وطريقة نشرها، لكن رغم مرور مايزيد عن الثلاثة أعوام لم تتخذ العائلة أي خطوة من أجل ذلك، رغم يقين الجميع أن الأستاذ هيكل -الصحفي والجورنالجي- كان سيبدو حريصا على نشر أوراقه ووثائقه في أسرع وقت حتى لا تفقد قيمتها الإخبارية، مع العلم أننا لا نعرف أي أوراق أو وثائق سيتم نشرها وهل هناك شيء بقي بعيدا عن حريق برقاش!؟