صحافة زمان
طاهر عبد الرحمن يكتب:”جمجمة” اللواء حمزة البسيوني.. هل كان ساديا مثل “خالد صفوان” في فيلم الكرنك؟
الكاتب الصحفي طاهر عبد الرحمن
من المعروف والشائع في الأوساط الأدبية أن الكاتب الكبير الراحل، نجيب محفوظ، استوحى شخصية «خالد صفوان»، في روايته الشهيرة «الكرنك» من شخصية اللواء حمزة البسيوني، مدير السجن الحربي في الخمسينات والستينات، والذي اشتهر بساديته المفرطة تجاه المعتقلين السياسيين، وتفننه في طرق التعذيب خلال الاستجوابات والتحقيقات.
و«البسيوني» -كما يصفه المؤرخ الراحل صلاح عيسى- واحد من أشهر «كومبارسات» التاريخ في مصر المعاصرة، فهو رغم عدم مشاركته في صنع القرار بشكل رسمي أو تنفيذي إلاّ أنه كان يتمتع بحضور قوي على المستوى الشعبي، فمجرد ذكر اسمه تلك السنوات كان كفيلاً بإحداث الرعب والفزع.
وفي الحقيقة فإننا لا نعرف الكثير عن التاريخ الشخصي والعائلي له، فلقد كان رجلاً يعيش -رغم سلطته وجبروته- في الظل، فهو كان من ضباط الصف الثاني أو الثالث في تنظيم الضباط الأحرار، وكان ضمن المجموعة المقربة جدا من المشير عبد الحكيم عامر، والتي كانت تضم صلاح نصر وشمس بدران. وبحسب شهادة السياسي والمحامي فتحي رضوان (كما ينقلها صلاح عيسى في مقال قديم له) بأن والد حمزة كان يعمل قاضيا شرعيا، وأنه التحق بكلية الحقوق لفترة قصيرة قبل أن يحوّل أوراقه للكلية الحربية، وكان شابا وسيما تتملّكه روح «طفولية» ظاهرة، لا تنبيء أبدا عن الوجه القبيح الذي عُرف به فيما بعد، ولذلك -في رأي فتحي رضوان- أنه كان يعاني من مرض ازدواج الشخصية.
رأي آخر يقدمه عالم الاجتماع المعروف، سيد عويس، الذي عرف البسيوني عندما كان ضابطا شابا في الأربعينات، وأيضا بعد سطوع نجمه عقب ثورة يوليو 52، حيث يرى أنه كان شخصية «سيكوباتية» لا تهتم بتبرير تصرفاتها ولا تُلقي بالاً بما يعرف ب«منظومة القيم»!
ولقد جاءت معظم الشهادات عن شخصية اللواء حمزة البسيوني وتصرفاته الشاذة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الذين أفاضوا في ذكر ما كان يحدث لهم داخل السجون والمعتقلات على يديه، وهو على العكس تماما من الصورة الهادئة والوادعة التي رآه عليها نجيب محفوظ وصلاح عيسى في نهاية الستينات وبداية السبعينات بعد زوال المنصب وهيبته، وتقدمه في السن.
في ذلك الوقت كان قد أُفرج عن اللواء الغامض بعد سنتين قضاهما في السجن بدون محاكمة، كما حدث مع شمس بدران الذي أفرج عنه السادات وخرج من السجن إلى المطار مباشرة، ولا يزال يعيش في العاصمة الإنجليزية، لندن، حتى اليوم، وقد كان القرار «السري» بعدم محاكمة البسيوني بسبب أن محاكمته قد تجرف في طريقها «كبار»، أمثال شعراوي جمعة وسامي شرف، وبعدها خرج مدير السجن الحربي وعاش حياته في هدوء وصمت كاملين حتى نهايته المأساوية في حادث سيارة على الطريق الصحراوي حين اصطدمت مقدمة سيارته التي يقودها بمؤخرة سيارة نقل (تريلا) كانت محملة بأسياخ حديد اخترقت الزجاج وجسده ومات بطريقة أكثر من بشعة، وهو ما يعتبره كثيرون نهاية تليق برجل لم يكن جبارا وقاسيا فقط، بل كان أيضا «كافرا» بيّن الكُفر.
في مقال قديم، كنت قرأته في مجلة روزاليوسف بعنوان «چنرالات وجميلات» يعرض الكاتب الصحفي منير عامر لرأي الطب النفسي للحالة النفسية للطغاة، بأنهم غالبا ما يعانون من ضعف جنسي يحوّلهم إلى ساديين، يجدون متعتهم ولذتهم في التعذيب وربما القتل البطيء لمن يقع تحت أيديهم، ومن أمثال هؤلاء كان الچنرال محمد أوفقير، وزير الداخلية والدفاع في المغرب زمن الستينات، وكذلك نائبه وخليفته أحمد الدليمي وصلاح نصر ونائبه حسن عليش في مصر في الستينات أيضا، وغيرهم الكثير والكثير، يزيد على ذلك منطق «السلطة المطلقة» بلا رقيب، فهؤلاء -كما يقال- يخترقون القانون في حماية القانون نفسه، ثم إن التناقض الكبير بين العلني في حياة هؤلاء -كرجل له منصب رسمي وخطير، والسري بحكم طبيعة أعمالهم ومتطلباتها يصيبهم بنوع من الأمراض النفسية والعصبية شبه المستعصية، وفي حالة حمزة البسيوني فإننا لا نعرف عنه الكثير، ما عدا أنه -بحسب شهادة سيد عويس كما ينقلها صلاح عيسى- أنه كان يعشق سيدة متزوجة وكثيرا ما كان يتمنى أن تترك زوجها من أجله! على أن هذا النوع من الرجال لا تنتهي سيرته برحليه عن منصبه سواء بالعزل أو السجن أو حتى بالوفاة سواء كانت طبيعية أو قتلا، بل تبقى ممتدة وباقية ومؤثرة، على المستوى العائلي أو العام، وكنوع من «العبرة التاريخية» مع العلم أنه لا أحد يتعلم من التاريخ، وفي حالة اللواء حمزة البسيوني فإن أغرب ما قرأته عنه حتى بعد رحليه هو ما ذكره الكاتب مصطفى عبيد (في كتابه: هوامش التاريخ.. من دفاتر مصر المنسية) نقلا عن الكاتب والمحامي ثروت الخرباوي الذي حكى أن أحد أصدقائه حصل أثناء دراسته في كلية الطب على أجزاء من جسد اللواء الغامض، ومنها «جمجمته» من أحد لصوص المقابر، وأنه قسّم تلك الجمجمة إلى نصفين: واحد استخدمه ك«مطفأة سجائر»، والآخر أهداه لصديق له استخدمه كوعاء شُرب لعصافير كان يُربيها.. ومن الغريب أن تلك العصافير لم تقترب من ذلك الوعاء لتشرب منه أبدا.