ومع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانسحاب الجيش السوري من العديد من المناطق الحدودية؛ بدأت إسرائيل باتخاذ خطوات غير مسبوقة لتوسيع وجودها في سوريا. وسيطرت قواتها على منطقة جبل الشيخ السورية، وأعلنت إنشاء منطقة عازلة. وتثير هذه التطورات تساؤلات حول أهداف إسرائيل وخططها المستقبلية في ظل الفراغ الأمني والسياسي. ولم يكن مفاجئا أن يعلن الجيش الإسرائيلي عن قصف مخازن الأسلحة الكيماوية والاستراتيجية في سوريا، والتي قال إنها دمرتها بالكامل. لمنع انتقالها إلى التنظيمات المسلحة.
لم تخف إسرائيل دهشتها من سرعة انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، واعترفت المخابرات العسكرية والموساد بأن قدرتها على هذا الانقلاب والتطورات السريعة كانت متوقعة، فيما جرت مشاورات أمنية وسياسية ساعات وقبل ذلك صباح يوم وصول المعارضة إلى دمشق لبحث سبل التعامل مع التطورات الأخيرة، تم اتخاذ عدة إجراءات سريعة وفورية لتعزيز انتشار الجيش. ونقلت القوات الإسرائيلية المظليين وألوية الكوماندوس إلى المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية، وعلى طول المنطقة الحدودية، إلى جانب وحدة مدرعة وأنظمة استخبارات ورصد.
وأعلنت إسرائيل مناطق زراعية زراعية واسعة مناطق مغلقة عسكريا، ومنعت الدخول إليها، ووضعت حواجز على الطرق الرئيسية في الجولان قرب الحدود. وألغت التعليم في قرى الجولان، ضمن حالة الطوارئ التي فرضتها على معظم منطقة الجولان من أقاصي جبل الشيخ إلى جنوب الجولان وطبريا.. وكانت قيادة الجيش أقرت خطتين ، أحدهما هجومي والآخر دفاعي.
قبل أيام، وفي أعقاب التطورات المتسارعة داخل سوريا وضمن سيناريو سقوط الأسد؛ ووافقت المؤسسة الأمنية للاحتلال على خطة دفاعية لحماية الحدود ومنع تسلل عناصر التنظيمات التي تصنفها إسرائيل على أنها معادية لها أو احتمال حدوث تطورات تدفع السكان السوريين إلى الهروب نحو إسرائيل. وبدأت بإنشاء منطقة عازلة ضمن المنطقة المعروفة بالمنطقة المحرمة في اتفاقية فصل القوات عام 1974. والتي، بحسب ما أكد الإسرائيليون، لا يسمح لتل أبيب بالدخول إليها ولم يدخلها منذ ذلك الوقت. ونشر الجيش قوات عسكرية معززة ومدرعات في مناطق محددة مثل القنيطرة وألون حبشان وبلدات أخرى قريبة من درعا والمناطق السورية التي تحتدم فيها المعارك. وبدأت الجرافات خلال تلك الفترة بتنفيذ أعمال الحفر لشق طريق في أبعد نقطة مطلة على الجانب الإسرائيلي، ونصبت الخنادق والعوائق في تلك المناطق. وركز الجيش هذه الأعمال في المنطقة المعروفة بتلة السيهات، والتي كان السوريون يتوافدون إليها من مختلف البلدات والمناطق السورية للتحدث عن بعد مع ذويهم السوريين في الجولان.
فيما أكد رئيس أركان الجيش هيرتسي، خلال جلسة تقييم جاهزية الجيش في الهجوم والدفاع والعمل على إحباط ومنع التهديدات في المنطقة، أنه يواصل إعداد الخطط لمواجهة مختلف السيناريوهات.
وقال هليفي إن مهام الجيش الحالية هي مراقبة النقاط الرئيسية والتحركات الإيرانية، وإذا كانت ستنفذ إجراءات لتعزيز مصالحه، وهذا على حد قوله أولوية قصوى، بالإضافة إلى متابعة الوضع المحلي. العناصر المسيطرة على المنطقة وماذا يفعلون وكيف يتصرفون ومدى ردعهم والتأكد من عدم ارتباكهم أو توجههم نحو… إسرائيل.. وهدد هليفي بأنه إذا حدث ارتباك سيكون هناك رد هجومي يليه دفاع قوي جداً، و ويواصل الجيش استعداداته واستعداده لذلك، لكنه لم يشر من قريب أو من بعيد إلى السبب الرئيسي لدخول العمق السوري البالغ 235 كيلومترا، وهو خريطة الشرق الأوسط الجديد التي كانت بين يدي نتنياهو، موضحا والتوسعات حتى نهر الفرات في العراق، وهو ما يوضح أيضاً أن كل هذه القوات ليست لحماية حدود إسرائيل؛ ولكن من أجل الدخول إلى العراق والسيطرة على الجزء العراقي الذي حدده نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، للبدء في تنفيذ المخطط الإسرائيلي من الفرات.
ونفذت إسرائيل خلال اليومين الأخيرين حفريات واسعة هناك ونصبت العلم الإسرائيلي على التلة، وفي صباح يوم وصول المعارضة أو قوات الجبهة الشامية إلى دمشق، وفي أعقاب إعلان انهيار الأسد، وعززت تنفيذ عملياتها الدفاعية، ونقلت لواءي المغاوير والمظليين النخبة في جيشها إلى المنطقة العازلة على الأراضي السورية. وعلى طول حدود خط وقف إطلاق النار، وكذلك وحدة المدرعات، استعداداً لأي تصعيد أمني، وتغلغل التنظيمات المسيطرة في سوريا إلى هذه المناطق، واحتمال تنفيذ هجمات ضد إسرائيل. وفي المقابل، بدأت بتنفيذ الخطة الهجومية التي أقرتها من خلال إجراء تدريبات عسكرية واسعة النطاق للبحرية بالتعاون مع القوات الجوية والبرية. وامتدت التدريبات من رأس الناقورة إلى المنطقة البحرية المحاذية لمدينة نهاريا، فيما أعلن الجيش أنه قصف، خلال ساعة مبكرة من يوم سقوط نظام الأسد، مخازن أسلحة كيماوية واستراتيجية. ووصلت إلى ريف دمشق وميناء اللاذقية، وقال الجيش إنه دمرها بالكامل لمنع انتقالها إلى التنظيمات المسلحة.
وتم خلال المشاورات الأمنية مناقشة عدة أمور. وتشمل المقترحات احتلال مناطق استراتيجية في الجانب السوري تتوسطها قمة جبل الشيخ السورية.. دعا وزير المغتربين عميحاي شكلي الحكومة والأجهزة الأمنية إلى اتخاذ قرار فوري باحتلال قمة جبل الشيخ السورية باعتبارها تشكل منطقة استراتيجية مهمة. خاصة فيما يتعلق بالمراقبة وخطورة وصول التنظيمات المعادية وتنفيذ هجمات ضد إسرائيل. واعتبر الشكلي أن الأحداث في سوريا بعيدة كل البعد عن أن تكون سببا للفرح. وكتب في منشور على ; وفي النهاية، أصبحت معظم سوريا الآن تحت سيطرة التنظيمات التي انبثقت عن القاعدة وداعش. والخبر السار هو تزايد قوة الأكراد واتساع نطاق سيطرتهم في شمال شرق البلاد. وكتب يدعو إسرائيل إلى السيطرة على قمة جبل الشيخ وإنشاء خط دفاعي جديد يعتمد على خط التوقف. بعد إطلاق النار عام 1974، أصبح من المحظور السماح للمتطرفين بالاستقرار بالقرب من مستوطناتنا.
كما جاء تصريح شكلي على الرغم من مطالبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الوزراء بعدم إصدار تصريحات حول التطورات في سوريا وسقوط نظام بشار الأسد، إلا أن إسرائيل تراقب عن كثب ما سيحدث بعد ذلك. وطلب حزب الليكود من أعضاءه في الكنيست عدم إجراء مقابلات حول سوريا دون موافقة نتنياهو.
وفي جولته داخل الجولان، اعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن الاتفاقية الموقعة بين إسرائيل وسوريا عام 1974 انتهت، قائلا: “نحن نعمل أولا وقبل كل شيء لحماية حدودنا.. وهذه المنطقة منذ 50 عاما”. منطقة عازلة عامة تم الاتفاق عليها عام 1974 بموجب اتفاقية فصل القوات. واليوم انهار هذا الاتفاق وتخلى الجنود السوريون عن مواقعهم. وبدعم كامل من الحكومة، أصدرت تعليمات للجيش للسيطرة على المنطقة العازلة ومواقع السيطرة المجاورة لها. ولن نسمح لأي قوة معادية أن تفرض نفسها على المنطقة. حدودنا».
قبل سنوات قليلة، وتحديداً في عام 2016، ظهر وزير المالية الإسرائيلي وعضو الكنيست بتسلئيل سموتريش، في مقابلة مع قناة التلفزيون الإسرائيلي، قائلاً: إن حدود القدس يجب أن تمتد إلى العاصمة السورية دمشق، و وأنه يجب على إسرائيل أيضًا الاستيلاء على الأردن. وكرر سموتريش ومسؤولون إسرائيليون آخرون هذه التصريحات في عدة مناسبات لاحقة. ويسلط الضوء على جهود اليمين الإسرائيلي المتطرف لتوسيع حدود إسرائيل لتشمل أجزاء واسعة من الشرق الأوسط، وهو الاقتراح الذي تدعمه أصوات حتى من خارج هذا اليمين. إن اليمين الإسرائيلي، في دفع مشروعه لتوسيع دولة إسرائيل، يرتكز على معتقدات دينية تنص على أن أرض الميعاد تمتد على أراضي واسعة من المنطقة.. ويدعي معهد إسرائيل للتوراة والأرض على موقعه الإلكتروني أن أرض إسرائيل الكبرى ويمتد من نهر الفرات شرقاً إلى نهر النيل جنوباً. ويتوقف المؤيدون لهذا المشروع أيضًا عند أحد نصوص التوراة وما ورد في سفر التكوين، حيث قطع الرب في ذلك اليوم عهدًا مع أبرام قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض من النهر. من مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات. (تكوين 15: 18-21). ما هي الخريطة التي طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي لأول مرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ78 في سبتمبر 2023؟ وهذا خير دليل على رسم جديد للشرق الأوسط وفق مفهوم نتنياهو، إذ لم يذكر فلسطين أو دولة فلسطين، وسيطر اللون الأزرق على الخريطة، مشيراً إلى دولة إسرائيل بما فيها الضفة الغربية أيضاً. مثل قطاع غزة. وكانت هذه الخريطة رسالة واضحة للعالم بأن إسرائيل ترى نفسها دولة ذات حدود موسعة، ولا تقبل بأي تسوية لا تحقق هذه الأهداف التوسعية. وأثار هذا المشهد قلق العديد من الدول التي اعتبرته ليس مجرد إشارة؛ بل كان إعلاناً عن نية واضحة لتنفيذ أحلام اليمين الإسرائيلي التي تراكمت على مر العصور من خلال فرض سياسات الأمر الواقع تحت عنوان: إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.
واعتبر نتنياهو أن انهيار الأسد جاء نتيجة الهجمات التي نفذتها إسرائيل ضد إيران وحزب الله وأدى إلى إضعافهما. وقال في سياق حديثه: “هذا يوم تاريخي في تاريخ الشرق الأوسط، ومن جهتنا لن نسمح لأي قوة معادية بتثبيت وجودها على حدود إسرائيل”. وبحسب نتنياهو، كان الأسد حلقة مركزية في محور الشر الإيراني، “وسقط هذا النظام بفضل الضربات التي وجهناها إلى إيران وحزب الله، الداعمين الرئيسيين لنظام الأسد”. وقد خلق هذا سلسلة من ردود الفعل في جميع أنحاء الشرق الأوسط لكل أولئك الذين يريدون التحرر من نظام القمع والطغيان هذا. ومن وجهة نظر نتنياهو فإن انهيار الأسد يخلق فرصاً جديدة ومهمة جداً لإسرائيل، لكنها لا تخلو من المخاطر أيضاً. وتبرر إسرائيل تحركاتها الأخيرة بالقول إنها تهدف إلى حماية المستوطنات في الجولان ومنع تسلل الجماعات المسلحة إلى أراضيها. لكن التطورات تشير إلى أن الخطوات الإسرائيلية تتجاوز مجرد الدفاع إلى تعزيز نفوذها الإقليمي. وتبلغ مساحة المنطقة العازلة التي تسيطر عليها إسرائيل نحو 235 كيلومترا مربعا، أي ما يعادل نحو 60% من مساحة قطاع غزة. وتمت هذه السيطرة الواسعة دون أي مقاومة تذكر، مما دفع نتنياهو إلى التفاخر سياسيا بأن إسرائيل حصلت على هذه الأراضي دون إطلاق رصاصة واحدة. لكن المحلل كناعنة حذر من أن إسرائيل قد لا تلتزم فقط بخط المنطقة العازلة؛ بل إن سيطرتها قد تمتد إلى مناطق أعمق داخل الأراضي السورية إذا رأت أن هناك ضعفاً أمنياً في المناطق المجاورة.
نقلا عن مجلة روزالي يوسف
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
مصدر المعلومات والصور: socialpress