في العمق

الإجهاد الحراري وخسارة العمل.. العاملات الزراعيات تحت وطأة تغير المُناخ

تقرير: سلمى نصر الدين

خلال عمل فاتن، 20 عامًا، عاملة زراعية بالأجرة في جزيرة السلام بالعياط، بحصاد الأرض، سقطت مغشيًا عليها، بعد ما أُصيبت بضربة شمس ونزلة معوية، نتيجة للعمل تحت أشعة الشمس مباشرة.

اضطرت فاتن للتوقف عن العمل يومين في الأرض الزراعية حتى تتعافى من أثر ضربة الشمس والنزلة المعوية، ما تسبب في خسارتها حوالي 100 جنيه عن كل يوم عمل، وهي الأجرة التي تتلقاها نظير عملها في حصاد الأرض.

 

بينما تحرص سعدة، 40 عامًا، صاحبة أرض زراعية في العياط، على الخروج قبل الفجر يوميًا، خلال شهور الصيف، لتبدأ عملها في الأرض، والتي تعد مصدر دخل لها ولأسرتها، وتعين بها زوجها الذي يعمل كإمام مسجد، وتحاول أن تنتهي من عملها في الساعة العاشرة صباحًا لتجنب حرارة الشمس.

تقول سعدة إنها رغم محاولاتها تجنب حرارة الشمس إلا أنها خلال فترة حصاد المحصول تضطر للعمل خلال ساعات الظهيرة، ما نتج عنه إصابتها بضربة شمس، لكنها لم تستطع التوقف عن العمل لكونها هي المسئولة عن زراعة الأرض.

 

فاتن وسعدة ضمن آلاف النساء العاملات في مجال الزراعة في مصر، وهو المجال الأكثر تأثرًا بارتفاع درجات الحرارة، وهما ضمن الملايين حول العالم المعرضات/ين لفقدان عملهن/م نتيجة للارتفاع الشديد في درجات الحرارة وما ينتج عنه من إجهاد حراري، بحسب تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية.

 

فقدان الوظائف

وفقًا لمنظمة العمل الدولية، يكون لدرجات الحرارة المرتفعة تأثيرات متباينة الشدة على قطاعات العمل المختلفة، فالأعمال التي تتطلب مجهود بدني عالي أو العمل فترة طويلة تحت أشعة الشمس وفي الهواء الطلق سيكون تأثير درجات الحرارة عليها مرتفعًا.

ومن المتوقع أن يكون التأثير على قطاعي الزراعة والبناء الأسوأ، ففي عام 1995 شكل قطاع الزراعة وحده حوالي 83% من إجمالي الوظائف المفقودة عالميًا، وسيشكل 60% من إجمالي الوظائف المفقودة بحلول عام 2030.

وتتركز خسائر إنتاجية اليد العاملة الناجمة عن الإجهاد الحراري في المناطق التي تعاني بالفعل من ظروف غير مستقرة في سوق العمل، مثل ارتفاع معدلات العمالة الضعيفة وفقر العمال. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإجهاد الحراري أكثر شيوعًا في الزراعة والبناء، وهما قطاعان يتميزان بمستوى عالٍ من الطابع غير الرسمي.

تصميم الإنفوجراف: سلمى نصر الدين

 

وفي حالتي فاتن وسعدة، فهما ضمن العمالة غير الرسمية، ففاتن تعمل بشكل موسمي في حصاد الأرض نظير أجرة يومية ارتفعت إلى 100 جنيه بعد ما كانت 50 جنيهًا، وتضطر للعمل بجانبها في مصنع ملابس لتتمكن من توفير دخل مناسب لها.

وتعمل سعدة في أرض خاصة بها وأسرتها، ولا تستطيع أن توفر منها دخلًا خاص بها، فهي تعمل لإعالة أبنائها، وكلاهما خارج أي مظلة للحماية القانونية أو الصحية، وتتحملان الخسائر المادية الناتجة عن تغير المناخ والإجهاد الحراري.

 

النساء الأكثر تأثرًا

في دراسة بحثية صادرة عن مركز الإنسان والمدينة للأبحاث الإنسانية والاجتماعية (مركز بحثي متعدد التخصصات معني بمجالات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية)، تشكل النساء حوالي 58% من العمالة الزراعية في مصر، 99% منهن يعملن بشكل غير رسمي، أي لا يمتلكن عقود عمل أو تأمين اجتماعي أو صحي، و38% هن عمالة موسمية.

ولذلك يكون لتغير المناخ تهديدًا لظروف عملهن فارتفاع درجات الحرارة أو زيادة هطول الأمطار يؤدي لتقليل ساعات عملهن، فبحسب منظمة العمل الدولية، من المتوقع أن تخسر منطقة شمال أفريقيا حوالي 4.8 من ساعات العمل في 2030 بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما تعاني منه فاتن وسعدة الآن، إذ يضطررن للتوقف عن العمل بحلول الساعة العاشرة صباحًا، تجنبًا للعمل خلال فترة الظهيرة والتي تكون درجات الحرارة فيها مرتفعة.

أما الأخطار الصحية التي يُمكن أن يُصبن بها هي الإنهاك الشديد وضربات الشمس، وكلها ستنعكس على حالاتهن الاقتصادية، فالعاملات الموسميات كفاتن يتقاضين أجر يومي، وأخريات لا يتقاضين أجر لأنهن يعملن لصالح الأسرة كما في حالة سعدة.

تصميم الإنفوجراف: سلمى نصر الدين

 

ترى الدكتورة سوسن العوضي، خبيرة علوم البيئة وتغير المناخ، أن السيدات أكثر تأثرًا بارتفاع درجات الحرارة من الرجال، خاصة في مجال الزراعة.

 فنحو 43% من القوى العاملة في الزراعة في البلدان النامية هن من النساء، ويعمل حوالي  70 % من النساء العاملات في جنوب آسيا في الزراعة، وكذلك أكثر من 60 % من النساء العاملات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعملن في الزراعة، بحسب منظمة الأمم المتحدة للمرأة.

وتشكل النساء أقل من 20% من ملاك الأراضي في العالم، وأقل من 5 % من جميع ملاك الأراضي الزراعية في شمال إفريقيا وغرب آسيا. 

 

ويكون تأثير تغير المناخ على النساء بطريقتين، وفقًا لحديث العوضي، الأولى خسارة عملهن نتيجة خسارة الأراضي الزراعية، وكذلك التغيرات في إنتاجية المحاصيل.

أما الثانية فهي التأثيرات الصحية، وتشرح العوضي قائلة إن درجة حرارة جسم المرأة أعلى من الرجل، ما يكون له تأثير على الدورة الدموية والصحة الإنجابية، ويعرضها لإجهاد حراري أعلى من الرجل.

 

فيما تميل ميريهان فؤاد، الناشطة في مجالي حقوق المرأة والبيئة ومؤسسة مبادرة “نسويات من أجل المناخ”، إلى تقسيم النساء إلى فئات، وتشرح أنه في حالة العاملات الزراعيات يجب الأخذ في الاعتبار هل هن من كبار السن، أو نساء حوامل، أم هن نساء شابات، أو لديهن أمراض مزمنة.

وتكمل ينطبق الأمر على الرجال أيضًا، وبالتالي يختلف تأثير درجات الحرارة على كل فئة، فبعض من تلك الفئات قد تُسبب لهم/ن درجات الحرارة المرتفعة ضربة شمس وإحساس بالضعف، ومن الممكن أن تؤدي إلى الموت.

 

وتضيف ميريهان أنه بشكل عام النساء أكثر هشاشة من الرجال وأكثر فقرًا، موضحة أن هناك مصطلح يسمى تأنيث الفقر، كما أن العمل لا يراعي الأدوار الاجتماعية للنساء، ما يجعل بعض السيدات يضطررن للقبول بمقابل مادي ضعيف لكي تستطعن الوفاء بالمسؤوليات على عاتقهن.

وتؤكد على ضرورة تضمين مفهوم الجندر أو النوع الاجتماعي عند الحديث على التغير المناخي، وتحديد الفئات المتضررة، ثم المطالبة بشبكة حماية اجتماعية، خاصة أن العمالة الزراعية معظم العاملات فيها نساء وغير رسمية.

 

كيف نواجه الإجهاد الحراري؟

يشرح الدكتور إبراهيم المليجي، استشاري مستشفى حميات حلوان، الفرق ما بين الإجهاد الحراري وضربة الشمس، قائلًا إن ضربة الشمس تحدث نتيجة التعرض المباشر للشمس خلال ساعات الذروة (9 صباحًا- 4 عصرًا) في فصل الصيف.

أما الإجهاد الحراري هو التعرض للحر ويمكن أن يحدث داخل المنزل، في حال التواجد داخل غرفة رديئة التهوية، وفي تلك الحالة ترتفع درجة حرارة الجسم إلى ما بين 40 إلى 41 درجة مئوية، وتكون المشكلة بتوقف المركز المنظم للحرارة في المخ ولا يحدث استجابة لخوافض الحرارة.

ويوضح، استشاري حميات حلوان، الإسعافات الأولية لمواجهة الإجهاد الحراري وهي تخفيض درجة حرارة الجسم بوضع المصاب في مكان بارد وتشغيل المراوح، ثم خلع ملابسه ووضعه تحت الميه ثم لفه بملاءة وهو عاري الجسد، ووضعه تحت المكيف.

وبعد تخفيض درجة حرارة الجسم، إذا كان المصاب قادر على البلع يمكن أن يأخذ أحد الأدوية المخفضة للحرارة.

ويؤكد أنه في حال عدم توافر تلك الإسعافات يجب نقل المصاب فورًا إلى المستشفى.

 

ولكي يتجنب العمال المضطرين للعمل في أماكن معرضة للشمس الإصابة بالإجهاد الحراري، يقول دكتور إبراهيم إنه يجب أن يكون هناك شمسية، ووضع واقي أو غطاء للرأس من الشمس خاصة للعاملين خلال فترة الذروة، وشرب مياه كل 10 دقائق، وأخذ راحة كل ساعة ورش المياه فوق الرأس، بالإضافة لإيقاف العمل في درجات الحرارة التي تتراوح بين 38 إلى 39 درجة مئوية.

تصميم الإنفوجراف: سلمى نصر الدين

وفي حديثنا مع سعدة وفاتن أشارت كلتاهما أن العمل تحت درجات الحرارة المرتفعة تسبب في إصابتها بالالتهابات في الجلد وجفاف في الأيدي وظهور حبوب في الجسد.

وهو ما أكده الدكتور إبراهيم، إذ قال إن “درجات الحرارة المرتفعة تؤثر على الجلد، وتسبب حروق في الجلد، وتقشير والتهابات وجفاف للعين، لذلك ننصح العمال بغلق أعينهم وفتحها لأن ذلك يُرطب حدقة العين وممكن بل فوطة ووضعها على الوجه والعين”.

كما تتأثر السيدات بارتفاع درجات الحرارة أكثر من الرجال فهن لديهن دهون أسفل الجلد أكثر وهن أكثر نعومة، فالرجال لديهم طبقة سميكة من الجلد، لذا تسبب الشمس حروق والتهابات في الوجه لدى السيدات ويبدأ بالاحمرار والالتهاب ويجب وضع واقي من الشمس أو استخدام ملطف للجلد.

 

تواجه فاتن وسعدة الارتفاع الشديد في درجات الحرارة بطرقهن البسيطة في ظل غياب إجراءات التكيف مع تغير المناخ والحرارة الشديدة، إذ ترتدي فاتن وزميلاتها النقاب أثناء العمل في الحقول لتجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس، فيما تبدأ سعدة يومها قبل شروق الشمس علّها تستطيع إنجاز العمل قبل الحرارة الشديدة في ساعات الظهر.

 

*أُنتج هذا التقرير في إطار البرنامج التدريبي الخاص بصحافة المناخ الذي نظمه اتحاد إعلاميات مصر بالتعاون مع مبادرة مدرسة المناخ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى