من كتاب حكايات من الأرشيف للكاتب الصحفي طاهر عبد الرحمن
كان ”أحمد بهاء الدين” ضمن الوفد الصحفي الذي صاحب ”جمال عبد الناصر” في زيارته الأولى للجزائر عام 1963 بعد استقلالها من الاحتلال الفرنسي الذي دام 130 عاما.
كانت الزيارة تاريخية، وكان الاستقبال حافلا بسبب الدور الكبير الذي لعبته مصر في مساندة ودعم الشعب الجزائري -وجيش التحرير- ولذلك فإن الحكومة الجزائرية دعت كل الزعماء والقادة السياسيين في المغرب العربي، وكان من بينهم الزعيم المغربي الأشهر ”المهدي بن بركة”.
وعلى هامش الاحتفالات التقى ”بهاء” و”بن بركة”، الذي قام بتوجيه دعوة له لزيارة المغرب، ولم يكن قد زارها من قبل، وحضور جانبا من المؤتمرات الجماهيرية استعدادا للانتخابات النيابية هناك.
ووجدها ”بهاء” فرصة لرؤية المغرب، وكان ”بن بركة” قد وجه دعوة مماثلة لمعظم الصحفيين المصريين لكن لم يلبها – بجانب ”بهاء” – سوى الكاتب والمفكر (والمشرف على صفحة الرأي في الأهرام) ”لطفي الخولي”.
ذهب الإثنان إلى المغرب، في ضيافة ”المهدي بن بركة”، وطاف بهما في معظم مدنه الكبرى، وتقابلا مع كثير من الزعماء السياسيين هناك. وعندما حان وقت عودتهما كانت الحملات الانتخابية في ذروتها، ومن هنا طلبا من مضيفهما أن يتفرغ لعمله ويتركما يدبران أمر السفر، وبالفعل قاما بحجز مقعدين في طائرة تذهب بهما من الدار البيضاء إلى مدريد، لكن -وقبل أن يتحركا من الفندق- وجدا عددا من رجال الشرطة السرية المغربية يلقيان القبض عليهما، وتم وضعهما في سيارة عسكرية وذهبا إلى العاصمة الرباط.
ولم يكن من الصعب عليهما إدراك أنهما في قبضة الچنرال الأشهر ”محمد أوفقير” – وزير الداخلية والدفاع. قضى الإثنان -كما يحكي ”بهاء” في مقال له في جريدة الدستور الأردنية بتاريخ 5 إبريل 1979 -ليلتهما في أحد مقرات الأمن المغربي، ولم يحقق معهما أحد ولا وُجهت لهما أي تهمة، بالطبع كان الخوف هو رفيقهما تلك الليلة الطويلة، حيث كان من السهل التخلص منهما دون أن يعرف أحد عنهما أي شيء.
في الحادية عشرة من صباح اليوم التالي قادهما رجال الأمن إلى أحد المكاتب وقابلا مسئولا أمنيا كبيرا (لم يذكر ”بهاء” اسمه) وأخبرهما أنه تقرر تسليمهما للسفارة المصرية، حيث لم تثبت عليهما أي تهمة! فيما بعد عرف ”بهاء” أن المخابرات المغربية كانت تشك فيهما وفي زيارتهما للمغرب بصحبة ”المهدي بن بركة” – وهو رئيس أكبر حزب معارض هناك، بل ووصلت الظنون بالزيارة أنهما كان يحملان منشورات للتحريض على نظام الحكم بدعم من ”عبد الناصر”!!
انتهى اللقاء مع المسئول الأمني وانتقلا – بصحبة رجال الشرطة – إلى أحد الفنادق للراحة قبل تسليمها للسفارة المصرية. لكن خلال ذلك وجدا رسالة من ”مجهول” تحذرهما من أن ”أوفقير” قرر التخلص منهما، وبالصدفة البحتة عرف أن ساكن الغرفة المجاورة لغرفتهما هو ”عبد الحفيظ بوصوف” – عضو مجلس الثورة الجزائري ووزير التسليح – فأخذا الإثنان بالدق على الحائط الفاصل بين الغرفتين حتى جاءهما الوزير الجزائري، وقاما بإخباره بكل ما حدث، حتى يكون شاهدا لو حدث لهما مكروه.
ولحسن حظهما لم يحدث أي مكروه، حيث خرجا من الفندق إلى المطار مباشرة، وخلال الرحلة عرفا أن الصحفي المصري ”كمال عامر” – وكان مقيما في المغرب ويعمل مراسلا لعدد من الجرائد والمجلات العربية والفرنسية – عرف خبر القبض عليهما من مصادره في الأمن، وقام على الفور بنقله إلى جريدة ”اللوموند”. وعرف المشير ”عبد الحكيم عامر” بكل ما حدث (كان عبد الناصر – كما يقول ”بهاء” في زيارة ليوغوسلافيا بعد انتهاء زيارته للجزائر)، وعلى الفور أرسل لنظيره المغربي ”أوفقير” يطلب الإفراج عن الصحفيين المصريين أو توجيه تهمة محددة لهما، وهو ما حدث بعد ذلك.