طلقة قلم

دكتور علي عبد الله يكتب: الذهب أم الدولار.. أين أضع أموالي؟

في كل مرة ترتفع فيها الأسعار وتتراجع قيمة الجنيه أو أي عملة محلية، يعود السؤال الذي يشغل عقول المواطنين والمستثمرين على حد سواء: أين أضع أموالي؟
هل أحتفظ بها بالدولار الأمريكي، باعتباره العملة الأكثر استقرارًا وتأثيرًا في العالم؟
أم أشتري الذهب، هذا المعدن النفيس الذي ظلّ لقرون رمزًا للثروة والأمان في مواجهة الأزمات؟
السؤال يبدو بسيطًا، لكن الإجابة أعقد مما يتصور البعض، لأنها تتعلق بفهم طبيعة الاقتصاد العالمي واتجاهات التضخم وحركة رؤوس الأموال في أوقات عدم اليقين.

الذهب.. الأصل الذي لا يفقد بريقه
لطالما كان الذهب الملاذ الآمن للمستثمرين عندما تهتز الأسواق أو تتراجع قيمة العملات.
فهو أصل حقيقي ملموس لا يعتمد على قرارات البنوك المركزية أو طباعة النقود.
وعلى مدار التاريخ، كان الذهب وسيلة لحماية الثروة من تآكل القيمة الشرائية الناتجة عن التضخم أو الأزمات السياسية.
في السنوات الأخيرة، ومع اضطراب الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كورونا، والحروب التجارية، والصراعات الإقليمية، شهدت أسعار الذهب ارتفاعات كبيرة.
فالناس عادة ما تتجه إلى المعدن الأصفر عندما تضعف الثقة في البورصات والعملات الورقية.
لكن رغم مكانته المرموقة، لا يخلو الذهب من العيوب؛
فهو لا يدرّ عائدًا نقديًا مثل الفائدة البنكية، وتكلفة تخزينه وتأمينه قد تكون مرتفعة،
كما أن سعره يتأثر بعوامل متعددة، منها قرارات البنوك المركزية وارتفاع الدولار وأسعار الفائدة العالمية.

الدولار.. العملة التي تحكم العالم
من ناحية أخرى، يظل الدولار الأمريكي العملة الأقوى والأكثر طلبًا في الأسواق الدولية.
أكثر من 60% من الاحتياطات النقدية في البنوك المركزية حول العالم مقوّمة بالدولار، كما يتم تسعير أغلب السلع الاستراتيجية، مثل النفط والذهب نفسه، بهذه العملة.
وبسبب ذلك يثق الكثير من المستثمرين في الدولار باعتباره أداة ادخار آمنة وسهلة الاستخدام، خاصة في الدول النامية التي تعاني من تقلبات سعر الصرف.
لكن الدولار أيضًا ليس محصنًا من المخاطر؛ فالتوسع في طباعة النقود وارتفاع الدين الأمريكي يؤديان أحيانًا إلى تراجع القوة الشرائية للعملة الخضراء.
وعندما يفقد الدولار بعضًا من بريقه، يعود المستثمرون إلى الذهب مجددًا كملاذ بديل.

بين الذهب والدولار.. كيف تختار؟
الاختيار بين الذهب والدولار يعتمد على هدف الادخار والزمن المتوقع للاحتفاظ بالأموال.
فمن يبحث عن حماية طويلة المدى من التضخم أو انهيار العملات، يجد في الذهب خيارًا أكثر أمانًا.
أما من يهتم بالسيولة وسرعة التصرف في أمواله، فإن الدولار يظل الخيار الأقرب.
بعض المحللين الماليين ينصحون بما يُعرف بـ”التنويع الذكي”، أي توزيع المدخرات بين الذهب والدولار بنسب متوازنة؛
فالذهب يوفر الأمان ضد التضخم، بينما يمنح الدولار مرونة التعامل في الأسواق المحلية والعالمية.

الوعي هو الاستثمار الحقيقي
في زمن التقلبات الاقتصادية، لا يوجد خيار مثالي دائم، فالذهب والدولار يتبادلان الأدوار بين القوة والضعف حسب ظروف الاقتصاد العالمي.
لكن الحقيقة الثابتة أن الوعي المالي هو السلاح الأقوى للمستثمر والمواطن العادي على حد سواء.
من يدرك متى يشتري الذهب، ومتى يحتفظ بالدولار، ومتى يحوّل أمواله من عملة إلى أخرى، هو من يربح في النهاية.
فالمسألة ليست مجرد “ماذا تشتري؟” بل “متى وكيف ولماذا؟”
ستظل المعركة بين الذهب والدولار مستمرة، لكنها في الواقع معركة وعي قبل أن تكون معركة أموال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى